الطبقة السياسية تتبادل الاتهامات ولا أحد يبدأ الإصلاح من نفسه، واللبناني يثق في المجتمع الدولي أكثر من سياسيي بلاده
 

تتسابق التيارات والأحزاب السياسية اللبنانية، التي يخوض مرشحوها الانتخابات التشريعية في لبنان والتي من المزمع إجراؤها في 6 مايو المقبل، على الدعوة لمكافحة الفساد كأساس مطلوب لوقف الهدر في الموارد وضبط الإنفاق العام ورفع مستوى الشفافية.

واحتل لبنان المرتبة 143 عام 2017 في مؤشر مدركات الفساد للعام الماضي من أصل 180 دولة، ليُسجّل بذلك تراجعا مقارنة مع العام الذي سبقه أي 2016، إذ كان يحتلّ المرتبة 136 من أصل 176 دولة، وذلك بحسب الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية (لا فساد) وهي الفرع الوطني لمنظمة الشفافية الدولية.

وتذهب الأحزاب السياسية في السنوات الأخيرة إلى اتهام خصومها بالوقوف وراء الصفقات المشبوهة، وقد شهدت اجتماعات اللجان النيابية مشادات حادة وتلاسنا وتدافعا بين السياسيين تبادلوا خلالها التهم بالسرقة والرشوة والاختلاس. وعمد المتخاصمون أيضا إلى تبادل الكتب والوثائق التي تكشف تورط الطرف الآخر بآفة الفساد محملينه مسؤولية الأزمات المالية والاقتصادية التي تعاني منها البلاد.

كتب كيدية
يتحدث مراقبون عن كتب كيدية خرجت في فترات متفاوتة تحمل رسائل تتجاوز مؤلفيها. وقد أصدر النائب الأسبق نجاح واكيم في نهاية عام 1998 كتابا بعنوان “الأيادي السود” يتحدث فيه عن ظواهر الفساد في البلد، غير أن المراقبين أدرجوا الكتاب آنذاك في خانة الضغوط التي كانت تمارسها سلطات الوصاية السورية على رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري.

وأصدر التيار الوطني الحر بزعامة الجنرال ميشال عون في فبراير عام 2013 كتابا بعنوان “الإبراء المستحيل” ينتقد فيه إدارة الحريرية السياسية للبلاد متهما إياها بالفساد. وجاء الكتاب ضمن خصومة سياسية حادة بين التيار العوني وتيار المستقبل وضمن البروباغندا التي استخدمها العونيون ضد المستقبليين.

بالرغم من الصورة المعممة لدى الناخب عن فساد الطبقة الحاكمة تجرى الانتخابات على أساس التعويل على تغيير ما قد يخفف من ظاهرة باتت من عاديات الأمور 

وأطلق رئيس كتلة نواب تيار المستقبل فؤاد السنيورة في نفس العام لاحقا كتاب “الافتراء في كتاب الإبراء” والذي أعدّه نواب في كتلة المستقبل للرد على “الافتراءات التي أطلقت بحق الرئيس رفيق الحريري أو فريقنا السياسي في الحكم من قبل التيار العوني”، حسب تصريحات للسنيورة آنذاك.

وفيما أمعن الفرقاء السياسيون في شحذ سيوف التشهير المتعلق بالفساد والتي طالت داخل التيار الوطني الحر زعيمه ميشال عون وصهره جبران باسيل وقيادات أخرى، بدا أن هذا السجال السياسي سببه خلاف وخصومة على نحو أحال هذا السجال من الماضي،  فـ”ابتلع” التيار الوطني الحر كتاب “الإبراء المستحيل”، وفق مراقبين، حين تحولت الخصومة مع تيار المستقبل عام 2016 (أي بعد ثلاث سنوات من صدور هذا الكتاب) إلى ودّ ووئام وصلا إلى حد التفاهم على التسوية التي أتت بميشال عون رئيسا للبلاد.

وتذهب أصوات معارضة للتسوية الرئاسية إلى اتهام التيارين؛ المستقبل والوطني، بالتواطؤ سويا لتمرير ملفات اقتصادية ومالية، ما جعل نيران الاتهامات بالفساد تنصب على رموز العهد الجديد، لكن هذه الاتهامات تدفنها الترتيبات السياسية وتغيب عنها أي مساءلة برلمانية أو قانونية وقد لا تعدو كونها جعجعة أبجدية، لكنها تحولت إلى مادة لدغدغة عواطف الناخبين اللبنانيين و”الوعد بقطع دابر الفساد ووقف منافذ الهدر والتعدي على المال العام”.

وتتشارك كل الطبقة السياسية في تسليط المجهر على الفساد في لبنان وإطلاق الوعود الانتخابية ضد تلك الآفة التي “يرتكبها الآخرون”. وكان رئيس الحكومة سعد الحريري زعيم تيار المستقبل، اعتبر أن بناء الدولة وفق أهداف تياره يرمي إلى وضع حد للفساد والتخلص من تجذره داخل النسيجين الاقتصادي والسياسي في لبنان.

واستغرب سمير جعجع زعيم حزب القوات اللبنانية صدور دعوات مكافحة الفساد عمن وصفهم “بالجهات المسؤولة عن هذا الفساد”، فيما يرفع سامي الجميل رئيس حزب الكتائب الصوت ضد “الطبقة السياسية الفاسدة”، متبرئا من أي انخراط في أي عمليات مشبوهة كون حزبه معارضا وغير مشارك في الحكومة.

وقد ذهب الأمين العام لحزب الله في الأسابيع الأخيرة إلى تناول قضية مكافحة الفساد بصفتها آفة يعد الحزب بالتصدي لها. واعتبر المراقبون أن الحزب يود الانتقال نحو المشاركة في القرار المالي والاقتصادي الحكومي، كما يسعى للتسويق لمهام جديدة ومستجدة له في لبنان تضاف إلى مهامه الأخرى ذات الطابعين الداخلي وذلك ما وراء الحدود.

ويلفت المراقبون إلى أن خطاب الطبقة السياسية اللبنانية حول موضوع الفساد يشوبه الكثير من الشعبوية والنفاق. ويقول هؤلاء إن الطبقة السياسية برمتها متورطة في سلوكيات باتت من تقاليد العمل الحكومي اللبناني بحيث تجري عملية تواطؤ كبرى بين كافة القوى السياسية دون استثناء.

ما صدر من اتهامات متبادلة سابقة بين التيارات والشخصيات الحاكمة في البلد يجعل من الصعب على المواطن الناخب أن يصدق خطاب العفّة والأمانة

ويضيفون أن ما صدر من اتهامات متبادلة سابقة بين التيارات والشخصيات الحاكمة في البلد يجعل من الصعب على المواطن الناخب أن يصدق خطاب العفّة والأمانة الذي تتشدق به الطبقة السياسية عشية الانتخابات.

أمل في التغيير
أصدرت الدوائر الدولية المتخصصة تقارير تحدثت عن ظاهرة الفساد في لبنان ووضعت البلد في موقع متقدم على سلم الدول الفاسدة في العالم، فيما تطالب المؤتمرات الدولية المخصصة لدعم لبنان بوضع معايير وتدابير لمراقبة الأداء المالي اللبناني وتضع المعونات المقدمة تحت مراقبة الجهات المالية الدولية المانحة.

وكلّف مجلس الوزراء اللبناني في أول العام الجاري شركة ماكنزي أند كومباني الأميركية لإعداد خطة للنهوض الاقتصادي في لبنان ومكافحة الفساد. واعتبرت أوساط اقتصادية متخصصة أنّه “من غير المبرر أن تقوم الحكومة اللبنانية بطلب شركة ماكنزي من أجل القيام باستشارات، باعتبار أنّه توجد في لبنان كفاءات عالية ولا حاجة لاستقطاب خبرات من الخارج. فيما رأت أوساط أخرى في هذا القرار هدرا جديدا يلامس الفساد المفترض مكافحته”.

ويرصد المتخصصون في أوساط الرأي العام إحباطا عاما من إمكانية التخلص من آفة الفساد في لبنان ويعتبرون أن الطبقة السياسية تملك مناعة ضد أي محاولات لتفكيك شبكات الفساد الحاكمة في البلد.

ويضيف هؤلاء أن الرأي العام لا يثق بإدارة هذه الطبقة لثروات الطاقة التي ظهرت في المياه اللبنانية ويتهمون الأحزاب الحاكمة بمحاصصة علنية لتقسيم الثروات في ما بينها بعيدا عن أي شفافية في إدارة هذا القطاع.

ومع ذلك، وبالرغم من هذه الصورة المعممة لدى الناخب اللبناني عن فساد الطبقة الحاكمة، ستجرى الانتخابات اللبنانية على أساس التعويل على تغيير ما للطبقة السياسية قد يتواكب مع مراقبة دولية تفرضها الدول المانحة علها تخفف من ظاهرة باتت من عاديات الأمور في لبنان.