تكتسب المعركة الانتخابية في دائرة «بيروت الثانية» أهمية خاصّة، باعتبار أن نتائجها ستحدد المرجعية السياسية التي تمسك بقرار العاصمة، وهو ما أخرج السباق عن إطاره السياسي، وأوصله إلى مرحلة الإشكالات الأمنية بين مناصري اللوائح المتنافسة، لا سيما بين جمهور تيّار «المستقبل» ومناصري بعض اللوائح التي شكّلتها شخصيات سنيّة بيروتية، حتى باتت التوترات والانفعالات شبه يومية في شوارع وأحياء بيروت.
أول غيث الإشكالات والعراك بالأيدي، بدأ الأسبوع الماضي في منطقة الطريق الجديدة المؤيدة بمعظمها لـ«المستقبل»، حيث هاجم عدد من شبابها المرشّح عن المقعد الدرزي رجا الزهيري، وحصل احتكاك وتدافع معه ومنعوه من الدخول لزيارة أحد رفاقه في لائحة «كرامة بيروت»، ما استدعى هجوماً من الأخير على وزير الداخلية نهاد المشنوق، متهماً إياه بـ«التواطؤ بالاعتداء عليه». ودعاه إلى الاستقالة، قبل أن يقع إشكال جديد في منطقة كركاس، بين مناصري «المستقبل» ومؤيدين للمرشّح بلال بدر الذي اتهم «المستقبل» بالوقوف وراء هذا الإشكال، وسبق ذلك حادثٌ مماثل في منطقة برجا في إقليم الخروب جنوب بيروت.
واعتبر رئيس لائحة «بيروت الوطن» صلاح سلام، أن ما يحصل أمر غير طبيعي. وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «الغاية من الإشكالات التي يفتعلها تيار (المستقبل)، هي توتير الأجواء وإشاعة مناخات من الخوف لدى الناخبين لمنعهم من التوجه إلى صناديق الاقتراع». وقال: «هذا يحفّزنا أكثر على الاستمرار في المعركة حتى النهاية، ونحن حريصون على أن تبقى معركة ديمقراطية بمعاييرها البيروتية العريقة». وأضاف: «نعترف بحق الاختلاف مع الآخر، لكن لا يستطيع أحد أن يلغينا»، معتبراً أن «سياسة أنا أو لا أحد انتهت، والناس تراقب وتعرف ما يحصل على الأرض وستحاسبهم في السادس من مايو (أيار)».
هذه الاتهامات ردّ عليها عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل» راشد فايد، الذي اعتبر أن «إلصاق هذه الإشكالات والأحداث بتيارنا هو استهداف». وأسف في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، لقول البعض «المستقبل يعتدي على حريات الناس من دون أي دليل، وهذا مؤشر على أن الانتخابات فيها حيز من اللاأخلاقية عند بعض الماكينات التي لا عمل لها سوى تهشيم صورة الآخر»، معتبراً أن «الغاية من ذلك التأثير على إرادة الناخبين في بيروت وتشويش أفكارهم». لكنه رأى أن «المقتنع بخيارات (المستقبل) وبمشروع الرئيس سعد الحريري لن يؤثر أحد في قناعاته مهما اشتدت حملات التضليل والتشهير».
ويعتبر «المستقبل» أنه يخوض معركة بيروت على جبهتين، الأولى في مواجهة «حزب الله» الذي يسعى للفوز بعدد كبير من نواب العاصمة للإمساك بقرارها، والثانية بمواجهة سبع لوائح أخرى شكلتها شخصيات سنيّة لتوزيع أصوات السنة، بما يخدم مشروع «حزب الله» وفق تقدير قيادات تيار «المستقبل»، وهو ما أشار إليه وزير الداخلية نهاد المشنوق والمرشح على لائحة «المستقبل» بالقول خلال لقاءات انتخابية في بيروت: «نواجه لائحة من أربعين ألف صوت (لائحة (حزب الله) وحلفائه)، والرد عليها لا يكون بالتقاعس عن الانتخاب بل بالمواجهة وبكثافة الاقتراع والتصويت، لأننا أمام معركة تقرير مصير مدينة بيروت وكرامتها وقرارها وهويتها وعروبتها».
وكان المرشح على لائحة «بيروت الوطن» نبيل بدر، تحدث في مؤتمر صحافي عمّا سماه اعتداء جماعة «المستقبل» على مكتبه الانتخابي في منطقة رأس بيروت (كركاس)، واصفا إياهم بـ«أصحاب السلوك السيئ». وأعلن أن «أكثر من 100 شاب معروفين بانتمائهم لتيار (المستقبل)، قاموا بالاعتداء على المكتب الانتخابي بطريقة مدروسة وحطموا محتوياته وزجاجه». وقال بدر: «لن ننجر إلى أي إشكال تسيل فيه دماء أهلنا على الجانبين، وإن جمهور تيار (المستقبل) بكامله ولو جار علينا بعضه، هو أهل لنا لم ولن نرضى أن يصيبهم أذى أو مكروه»، داعياً السلطات القضائية والأمنية إلى ضرب كل من يحاول الاعتداء على المواطنين. وطالب رئيس الجمهورية ميشال عون بـ«التدخل لوقف هذا المسلسل الهزلي والهمجي، الذي يقوم به تيار (المستقبل) والذي يضر بصورة الدولة وبنزاهة العملية الانتخابية».
وسارعت منسقية بيروت في تيار «المستقبل» إلى الردّ على بدر، فأكدت أن «كافة الادعاءات التي وردت على لسانه هي محض اختلاق وافتراء، وأن شريط الفيديو الذي عرضه بدر يدين أصحابه، خصوصاً لجهة حذف المشاهد المتعلقة بالاعتداء على أحمد مختار خالد أحد وجهاء بيروت وفعالياتها وعضو المجلس البلدي السابق، وهو اعتداء موثق، يظهر آثار الضرب التي تعرض لها وحصل بنتيجتها على تقرير طبي من الجهات المختصة»، واضعاً هذا الإشكال بكافة تداعياته «بتصرف الأجهزة الأمنية والقضاء اللبناني، الكفيل وحده بوضع حد لمحاولات التضليل والافتراء».