أقل من ثلاثة أسابيع ويذهب الناخبون في كل لبنان إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم، وفق القانون الهجين المسمى خطأ بالنسبي وهو أقرب منه إلى الارثوذكسي الذي نادى به التيار الوطني الحر على خلفية، تصحيح التمثيل عند المسيحيين الذين حرمهم القانون الأكثري أو ما يسمى قانون الستين من حق الحصول على التمثيل المسيحي الصحيح، وهيمنة الصوت المسلم في معظم الدوائر التي لحظها ذلك القانون على الصندوقة الانتخابية، ما أدى الى حدوث خلل كبير في التمثيل المسيحي أثر بشكل كبير على المشاركة أو على الشركة الوطنية على حدّ التعبير الذي استخدمه البطريرك الماروني مار بشارة الراعي وروّج له في الوسط المسيحي رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل لعله يستفيد منه لتمرير القانون الارثوذكسي الذي يعطي لكل طائفة من الطوائف اللبنانية الثماني عشرة حق انتخاب ممثليها في المجلس النيابي.
وكلما اقترب موعد ذهاب الناخبين إلى صناديق الاقتراع، كلما اشتدت حماية المعركة الانتخابية بين الطبقة السياسية التي تحكم البلاد منذ عشرات السنين وتستبيح كل شيء من أجل الحفاظ على مكاسبها السياسية وعلى توسيع تجارتها الرخيصة لكسب المال الحرام على حساب لقمة عيش الشعب اللبناني بكل مكوناته الطائفية والمذهبية، وحتى على حساب كرامته وحقه في المواطنة، وكأن هذه الطبقة تخوض كُلٌّ من موقعها معركة البقاء من خلال الاستئثار بأكبر عدد من المقاعد النيابية، وقد شملت المعارك الطاحنة حتى الحلفاء الاستراتيجيين كحركة أمل وحزب الله من جهة والتيار الوطني الحر من جهة ثانية، كما هو واقع الحال الآن حيث لا يوجد أي تحالف انتخابي بين الأحزاب الثلاثة، وفي المقلب الآخر بين الحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة وليد جنبلاط وتيار المستقبل بزعامة الرئيس سعد الحريري كما هو الحال في دائرة النبطية وضواحيها ودائرة مرجعيون - حاصبيا والبقاع الغربي، باستثناء الدائرة الرابعة في جبل لبنان حيث جمعتهم المصالح الانتخابية المشتركة في ظل انعدام الثقة التي بات واضحاً للعيان ويشعر به كل ناخبي هذه الدائرة التي تضم 13 نائباً من طوائف مختلفة تجمع بين الدرزي والسني والماروني، وقس على ذلك بالنسبة إلى بقية الدوائر الانتخابية التي تخوض فيها هذه الطبقة، شبه ما يكون بحرب ضروس فيما بين احزابها، والحملات المتبادلة بينها ظاهرة للعلن ولا تحتاج إلى أي دليل، كما هو الحال الآن بين التيار الوطني الحر وحركة أمل وبين الحزب التقدمي الاشتراكي وتيار ا لمستقبل.
هذه الأجواء المحمومة يفسرها البعض كالوزير السابق بطرس حرب بأنها متعمدة لذر الرماد في العيون وايهام اللبنانيين إلى أن هذه الطبقة تتنافس فيما بينها خدمة للبنانيين ولايصال الشرفاء إلى الندوة البرلمانية في الوقت الذي تعمل تحت الطاولة وفوقها ليحافظ كل منها على مكاسبها في المجلس النيابي حتى يتسنى لها القبض فيما بعد على السلطة والاستمرار في قهر النّاس وفي تجميع المال الحرام وتكديسه إما في خزائنها وإما في المصارف الأجنبية، وبالتالي لكي تبقى وحدها تتنعم بكل مقدرات الدولة وليستمر الفساد ويستمر المفسدون يتغلغلون في كل شرايين الدولة ومرافقها الاقتصادية والمالية كما هو واقع الحال.
المسألة ليست بنظر الكثيرين مسألة تنافس بين هذه الطبقة لتقديم الأفضل، بل مسألة «تناتش» الحصص فيما بينها وعلى حساب الفقير وكرامته وكرامة عيشه وليس أبلغ على ذلك من انحسار المنافسة على حصد المقاعد النيابية وليس على البرامج الانتخابية التي لا وجود لها عند هذه الطبقة الفاسدة والمفسدة.