أطلق نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة العامة غسان حاصباني "مرصد دعم السياسات الصحية" الذي هو نتاج تعاون بين وزارة الصحة العامة ومنظمة الصحة العالمية والجامعة الأميركية في بيروت - كلية العلوم الصحية. ووقع حاصباني على اتفاقية إطلاق هذا المرصد إلى جانب كل من مدير منظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط بالإنابة الدكتور جواد المحجور ورئيس الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور فضلو خوري، في حضور رئيس لجنة الصحة النيابية الدكتور عاطف مجدلاني، عميد كلية العلوم الصحية في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور إيمان نويهض، ممثلة منظمة الصحة العالمية في لبنان غبريال ريدنر، المدير العام لوزارة الصحة الدكتور وليد عمار وحشد من النقباء وممثلي منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية وفعاليات طبية وأكاديمية واجتماعية وإعلامية.

ألقى حاصباني كلمته أكد فيها الى ان مرصد دعم السياسات الصحية، وهو ثمرة التعاون المشترك القائم منذ سنوات عدة بين وزارة الصحة العامة ومنظمة الصحة العالمية والجامعة الأميركية في بيروت. ويجمع هذا المرصد بين الأبحاث العلمية للجامعة والمعرفة التطبيقية للوزارة والتوجيهات المعيارية للمنظمة، وكلها عناصر لصياغة سياسات صحية رشيدة، لأن رسم السياسات ووضعها حيز التنفيذ هو ما يبعد الصحة عن التسييس ويضعها في إطار السياسات العلمية وهو ما يضع لبنان في إطار الموقع الأول عربيا والثاني والثلاثين عالميا من حيث أدائه الصحي.

وتابع: "أن هذا النهج من بناء السياسات على معايير علمية ومعاملة المواطنين بتجرد وبالتساوي وفقا لواجبات وحقوق كل منهم، هو نهج نعمل على ترسيخه في الوزارة والإدارة العامة بشكل عام، وبفضله تحققت انجازات عدة. لذا وضعنا استراتيجية "صحة 2025" من ضمن مفاعيلها إستكمال النقص في التغطية للخدمات المتخصصة التي تقع بين مراكز الرعاية الأولية والإستشفاء. تقدمنا بآلية لتمويل البطاقة الصحية عبر إضافة مبلغ مقبول إلى فاتورة الهاتف الخليوي. والمشروع يسلك طريقه في ساحة النجمة حيث نوقش في لجنة الادارة والعدل وانتقل الى لجنة المال، وهو استكمال للعمل الذي كان قد بدأ به رئيس لجنة الصحة العامة الدكتور عاطف مجدلاني. وبذلك يكون لبنان يتجه فعلا نحو التغطية الصحية الشاملة بما يضاهي الدول المتطورة".

وقال حاصباني: كما أود الإشارة انه خلال الفترة القصيرة التي تولينا فيها مهام وزارة الصحة والتي تقل عن العام ونصف العام، أي أقل من خمسمئة يوم، استطعنا ان ندفع بالعمل الإداري قدماً لجهة تسهيل امور المواطنين وتطوير نظم المعلومات، ومكننة التواصل مع جميع اللبنانيين في عدة مجالات وعبر الكثير من التطبيقات الالكترونية ضمن رؤية الحكومة الإلكترونية الشاملة. هذا وتكريساً لمبدأ التشاور والتعاون في رسم السياسات الصحية، قمنا بتفعيل المجلس الصحي الأعلى الذي لم يجتمع طوال العقدين الماضيين فأعدنا تشكيله وبدأ بممارسة مهامه. كما اعدنا احياء لجنة التنسيق بين الجهات الضامنة الرسمية التي صدر قرار بإنشائها منذ 10 سنوات ولم تجتمع ولا اي مرة سابقا.

واليوم، يسعدني ان اضيف الى هذه الإنجازات انجازا فريدا هو مرصد دعم السياسات الصحية الذي سيوفر لمختلف مستويات الوزارة المعطيات العلمية لإتخاذ القرارات المناسبة ودعم تقييم تطبيق السياسات والبرامج الصحية واعادة تصويبها وضمان استمراريتها كي لا تخضع لمزاجيات وتجاذبات سياسية أو غير سياسية. كما سيسهل هذا المرصد التواصل مع جميع الشركاء في القطاع الصحي ومع المواطنين لتفعيل وضمان استمرارية حوكمة التعاون من خلال منتدى تترأسه وزارة الصحة ويشمل جميع الفرقاء الفاعلين في القطاع الصحي.

وختم حاصباني منوها بروح التعاون والشراكة والدعم التي بدت من خلال إطلاق مرصد دعم السياسات الصحية، مؤكدا أنه "طالما استمرت روح التعاون والدعم الفكري والعلمي والعملي فلا خوف على الصحة العامة في لبنان وعلى تطوير نظامنا الصحي بهدف تطوير وطننا وتحقيق نموه وازدهاره".

عمار
واستهل حفل توقيع الإتفاقية الذي جرى في قاعة المحاضرات في وزارة الصحة في بئر حسن، بالنشيد الوطني فكلمة ترحيب ثم تحدث الدكتور عمار فأوضح أن "مرصد دعم السياسات الصحية" يأتي لترسيخ نهج من ممارسات الحكم الرشيد الذي تعتمده وزارة الصحة، بغية تعزيزه وضمان استمرارية الإنجازات التي حققها القطاع الصحي حتى الآن وصولا إلى المزيد من النجاحات. ولقد اثبتت الدراسات العالمية المتعددة تميز القطاع الصحي عن غيره من القطاعات في لبنان، بحيث كان هذا البلد من بين البلدان القليلة في العالم التي حققت الاهداف الانمائية للألفية المتعلقة بالصحة. ويعود ذلك إلى ميزتين اساسيتين كانتا وراء نجاحات القطاع الصحي وهما: اولا نهج الإعتماد على البراهين العلمية وعلى نظام معلوماتي متطور في رسم ومراقبة تنفيذ السياسات الصحية، وثانيا نهج الحوكمة للقطاع الصحي بقيادة الوزارة الذي يعتمد على التعاون بين جميع الأفرقاء.

وأضاف: "ان وزارة الصحة العامة هي المسؤولة الأولى عن السلامة العامة وصحة المواطنين ولكنها ليست المسؤولة الوحيدة، فجميع الافرقاء هم معنيون بتحمل هذه المسؤولية. كما ان الوزارة لا تمتلك الموارد البشرية والمالية اللازمة لمواجهة جميع التحديات، لذلك لا بد لها من تفعيل موارد مختلف الشركاء وحشدها ضمن خطط هادفة، تفيد الافرقاء المعنيين من كل خطة وتخدم المصلحة العامة في آن، وذلك ضمن رؤية واضحة. هذه هي "حوكمة التعاون" التي تعني المشاركة في اتخاذ القرارات ورسم السياسات وتنفيذ البرامج وترتكز على مبادئ الشفافية والتجرد والمحاسبة. لذا، فإن المشروع الذي نطلقه اليوم يأتي بالخبرات الاكاديمية للاحتكاك بالواقع اليومي لراسمي السياسات الصحية ومنفذي البرامج، لمعرفة احتياجاتهم ودمج البراهين العلمية مع المعرفة التطبيقية لترشيد السياسات وتصويب البرامج الصحية، ويساهم في تفعيل آليات حوكمة التعاون".

بعد ذلك قدم الخبير في منظمة الصحة العالمية الدكتور ويم فان ليربرغ عرضا تقنيا أبرز فيه مراحل تطور القطاع الصحي في لبنان منذ بداية التسعينات وحتى اليوم. وقال: "إن القطاع الصحي اللبناني أظهر قدرة هائلة على الصمود والتكيف وأحرز تقدما ملحوظا على الرغم من السياق الجيوسياسي غير المؤاتي.

ورأى أن ذلك كان ممكنا إلى حد كبير بفضل أداء وزارة الصحة العامة بصفتها راعية للقطاع الصحي، بعدما طورت نهجا أصيلا محلي المنشأ في حوكمة التعاون يجمع بين ميزتين رئيسيتين: المعلومات الاستراتيجية والتوافق الاجتماعي. ولاحظ أنه على الرغم من النمو الكبير في قدرات الوزارة إلا أن الترتيبات الحالية في هذا الخصوص يجب أن تتحول إلى قدرة مؤسساتية على إنتاج المعلومات الاستراتيجية وتطوير صنع القرار والإجراءات التنفيذية القائمة على التعاون. ومن الممكن تحقيق ذلك من خلال تزويد وزارة الصحة العامة، بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية والجامعة الأميريكية في بيروت، بمرصد لدعم السياسات يستطيع تأمين قدرة تحليلية منهجية وداعمة للقرار تتماشى مع حاجات الوزارة وتعتمد بشكل كلي على مصادر البيانات العديدة التي تقوم الوزارة بتطويرها وعلى علاقات التعاون مع الأوساط الاكاديمية. فضلا عن ذلك، بإمكان المرصد تطويع مختلف شبكات تعاون الوزارة التي تشكل أدوات لتنفيذ أهداف السياسات المشتركة.

أما الدكتور فضلو خوري فلفت إلى أهمية الإعتماد على المعلومات والبيانات لتوجيه مراحل تحديد السياسات، مشددا على "ضرورة ردم الهوة بين الدراسات وعمليات التنفيذ". وقال: "إن الجامعة الأميركية تعمل على ردم الهوة القائمة بين الأوساط الأكاديمية وبين الحكومة نظرا لأهمية التعاون بين الجانبين لخفض معدل الخطأ"، منوها بأنه "ليس من باب الصدفة أن نشهد نموا لهذا التعاون في خلال تسلم الوزير حاصباني وزارة الصحة العامة.

وقال: "إن تعزيز التعاون الثلاثي بين وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية والجامعة الأميركية من خلال مرصد دعم السياسات الصحية يشكل شراكة هي الأولى من نوعها في لبنان والشرق الأوسط، وسيقوم هذا المرصد بتوفير دعم لاتخاذ القرارات بهدف التوصل إلى أفضل استخدام ممكن لمصادر البيانات والدراسات الموجودة".

بدوره وصف المحجور إنشاء "مرصد دعم السياسات الصحية" وانطلاق أشغاله في لبنان بأنه تعاون فريد بين منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة العامة اللبنانية والجامعة الأمريكية في بيروت، وقال: "إن هذه المبادرة الأولى من نوعها في الإقليم من شأنها أن تساهم في وضع وتنفيذ السياسات المستدامة والمسندة بالبينات دعما لعمل الوزارة وللقطاع الصحي بشكل عام في لبنان".

وأضاف: "أن قطاع الصحة يعمل في يومنا هذا في عالم يتسم بالترابط والتواصل وتعددية القطاعات. واتفاقية "مرصد دعم السياسات الصحية" ترمي إلى تزويد وزارة الصحة العامة بمرصد لدعم سياساتها الصحية يمكنه أن يوفر القدرة على التحليل المنظم للمعطيات واتخاذ القرارات. وبالإضافة إلى ذلك، سيعمل المرصد على تسخير الشبكات التعاونية المختلفة للوزارة التي تعتبر أدوات لتنفيذ أهداف السياسات المشتركة.

واشار المحجور إلى أن هذه المبادرة ستساهم في تعزيز النهج التعاونية الفعالة والمرنة لحوكمة قطاع الصحة في لبنان كما ستساهم أيضا في تعزيز التوافق الاجتماعي حول سياسات قطاع الصحة، مبديا "ثقة منظمة الصحة العالمية بأن نتائج التعاون والدروس المستخلصة منه ستكون نموذجا تقتدي به البلدان الأخرى في الإقليم".

وفي كلمة مسجلة عبر الفيديو لاحظ غيبريسوس أن لبنان أحرز تقدما كبيرا نحو تحقيق التغطية الصحية الشاملة على الرغم من صعوبة السياق السياسي ومن التحديات العديدة التي يواجهها بما في ذلك تدفق الأعداد الهائلة من اللاجئين من سوريا.

وأضاف: "تعني التغطية الصحية الشاملة أن يحصل الجميع، أفرادا ومجتمعات، على خدمات الرعاية الصحية التي يحتاجون إليها دون التعرض لمشقة مالية. يبدو ذلك سهلا لكن جميعنا يعلم ان ذلك ليس سهلا في الواقع. لذا، يتوجب على الدول بناء توافق ليس فقط بشأن نطاق الخدمات الواجب تغطيتها إنما حول كيفية تمويل هذه الخدمات، إدارتها وتقديمها. وهذا الأمر يتطلب إدارة حكيمة وتعاونا بين كافة الأطراف المعنية داخل القطاع الصحي يأخذ بعين الاعتبار السياسات الصحية الوطنية".

وتابع: "أن مرصد دعم السياسات الصحية الجديد سيساعد وزارة الصحة على تحقيق كل ذلك. كما سيساهم في ضمان اتخاذ القرارات الصحيحة التي من شأنها أن تنعكس بشكل ملموس على الصحة والرفاه".

وهنأ لبنان على هذه الخطوة الجديدة، مؤكدا أن "منظمة الصحة العالمية تتعهد العمل مع المعنيين على إنجاحها".