الحريري يحتاج خطاب التواصل الإيجابي وإلى إستبعاد مطلقي خطاب التعالي والكراهية
 
شدّد مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في رسالة بمناسبة ذكرى الإسراء والمعراج على «أنّ دار الفتوى في الجمهوريةِ اللبنانية، لها دَورٌ وَطَنِيٌّ جَامِعٌ في الانتخاباتِ النِّيَابِيَّة، إِنَّها لأَمَانَةٌ وَمَسؤولِيَّةٌ أمامَ اللهِ تعالى، لِلمُحافظَةِ على اللبنانيينَ وَعَيشِهِمُ الواحِدِ عَامَّة، وَالمُسلمين خاصَّة، في تَدعِيمِ وَحدَتِهِمْ وَتَمَاسُكِهِم، وَعَدَمِ السَّمَاحِ لِلفُرْقَةِ والانْقِسَامِ في ما بينَهم، مَهمَا اخْتَلفَتِ الآراءُ وَالتَّوجُّهات، فالكُلُّ هُمْ أبناءُ هذه الدَّار، التي هي على مَسافَةٍ واحِدةٍ مِنْ جميعِ المُرَشَّحِين، فالانتخاباتُ فُرصَةٌ لِنُقدِّمَ لِلوَطَنِ أحْسَنَ مَا لدَينَا مِنْ أبنائِنا، لِيَقودُوا سفينةَ البِلادِ والعِبَادِ إلى مَا هو أفْضَل، فالانتخاباتُ تَمُرّ، ويبقَى الوَطَن، وَتَبقَى وَحدَةُ المُتَنَافِسِينَ وتَلاقِيهم هيَ الأساسُ لِلنُّهوضِ بالدَّولةِ ومُؤسَّسَاتِها، وَلَدَيْنَا مُشْكِلاتٌ كَثيرةٌ اقتِصادِيَّةٌ واجْتِمَاعِيَّة، فالكُلُّ مَدعُوٌّ إلى العمل، إنْ كانَ داخِلَ السُلطَةِ أو خَارِجَها».
 
بهذا الخطاب الراقي والعملي والحريص على الوحدة الإسلامية والعيش المشترك والإعتدال ، خاطب سماحة مفتي الجمهورية الشيخ الدكتور عبد اللطيف دريان جميع المرشحين المسلمين ، داعياً إلى جعل قاعدة التنافس "تقديم أفضل ما عندهم" ، وإلى الإمتناع عن إستخدام لغة التشاحن والتباغض والتخوين والعداء والكراهية..
 
خطاب الصفدي: إشعال الحريق في البيت السني
 
ورغم وجود بعض الشطحات في الحملات الإنتخابية ، إلا أنها تبقى تحت السقف المتوقع في مثل هذه الظروف.. لكن ما جاء على لسان النائب محمد الصفدي في هجومه على الرئيس نجيب ميقاتي خرق هذا السقف وشكّل معاكسة كاملة وتامة لتوصيات سماحة مفتي الجمهورية ولأخلاقيات الخطاب الطرابلسي ومحاولة لإشعال حريق سياسي داخل البيت السنّي دون مبررات مقنعة لأن ما ساقه من أسباب لا يكفي لإتهام ميقاتي بأنه الشيطان!!!
 
ماذا قال الصفدي؟
 
شنّ النائب الصفدي هجوماً عنيفاً على الرئيس نجيب ميقاتي ولائحته “القريبة من لائحة الشيطان” على حدّ قوله، وقال في شريط فيديو مسرب يتحدث فيه عن معركة الانتخابات النيابية في طرابلس: "نحن على رغم عدم ترشحنا للانتخابات الا انّنا معنيين بها، ولم نترشح لسبب واضح"، واضاف: "انا عملت مع ميقاتي وكنت من الشخصيات التي ساعدت في تثبيت وجوده في رئاسة الحكومة. ولكن ميقاتي يهوى الفتنة والتفرقة بين الناس ويكذب باستمرار ولا يهمه لا امر طرابلس ولا امر المسلمين ولا امر احد ولا امر البلد حتى".
وتابع الصفدي: “لهذا السبب نحن قررنا الإنسحاب من الانتخابات والوقوف الى جانب تيار المستقبل ليس لانه تيار ممتاز على رغم ارتكابه اخطاء كثيرة وكلنا نعلمها. اليوم هناك هجوم من "حزب الله" على سنّة لبنان وأصبح ذلك شيئاً واضحاً، وتحالف "حزب الله" – حركة "أمل" في الانتخابات سوف يحصد حوالي الاربعين مقعداً وإذا أُضيف عليهم أصوات التيار الوطني الحر والنائب وليد جنبلاط فإنهم سيجتازون النصف وبالتالي الكتلة المعتدلة الوحيدة اليوم في لبنان هي كتلة المستقبل ولم يعد لدينا خيار فقط سوى تيار المستقبل".
 
ثغرات خطاب الصفدي
 
من يتابع النائب الصفدي منذ إعلانه إعتزال العمل السياسي وتراجعه عن خوض المعركة الإنتخابية لصالح تيار المستقبل ، يرى أنه يخوض معركة حقدٍ وثأرٍ ضد الرئيس ميقاتي أكثر مما هي عملية تحوّل سياسي مقنعة إلى جانب الرئيس سعد الحريري ، ويتضح أنه يخوض معركة شخصية لأسبابٍ أصبحت عملياً وراءنا لأنها مرتبطة بالمرحلة التي إختار فيها الصفدي أن يكون في الحكومة الميقاتية بكل ما حملت أو حُمّلت من صفاتٍ وتبعات.
 
يتحدّث الصفدي عن حكومة ميقاتي وكأنه ذهب إلى مشاركته مرغماً أو غير واعٍ لطبيعة أفعاله أو غير متمتع بكامل حضوره العقلي.. في حين أنه شارك عن سابق تصوّرٍ وتصميم ، وأقدم على افعاله بوعيه التام ، وحاول الصعود إلى سلّم نادي رؤساء الحكومات ، من دون أن يوفق.
تولى الصفدي وزارة المال وتحوّل إلى "وزير ملغوم" في حكومة ميقاتي ، فعطّل الموازنة ورفض التوقيع عليها ، وبدأ يسعى لرفع مستوى حضوره السياسي من خلال مزاحمة ميقاتي من داخل الحكومة ، مسهماً في إفشال الكثير من المشاريع وتعطيلها.
 
يتساءل الكثيرون: إذا كان الصفدي شاهداً على ما يعتبره أدءاً سيئاً لميقاتي ، فلماذا سكت حتى إستقالة الحكومة وبقي محتفظاً بصمته حتى لحظة الصراع الإنتخابي الراهنة.
وفوق هذا يتناسى الصفدي أنه والرئيس الحريري سبق أن تحالفا مع الرئيس ميقاتي في الإنتخابات البلدية الأخيرة ، من دون أن نسمع من الصفدي أي شيطنة لميقاتي.
 
شماعة هجوم "حزب الله" على السنة
 
إستفاق الويز الصفدي على أن هناك "هجوماً من "حزب الله" على السنة" ، وكأن هذا الهجوم بدأ بالأمس ، ولم يكن قائماً منذ لحظة إستشهاد الرئيس رفيق الحريري ، وكان موجوداً عندما طرح الصفدي تعديلاته على الطائف في مؤتمر "سان كلو" ، وهنا نستذكر موقف النائب أحمد فتفت الذي قال الآتي:"(إتفاق) الطائف لم يُطبق بالكامل حتى يُقال عنه انه إنتهى ، لكن يبدو أن الوزير الصفدي لديه مشاريع سياسية أخرى ، وبنظري أنه يقدّم أوراق إعتماده عند "حزب الله" إنطلاقاً من مقوله الحزب بالمؤتمر التأسيسي الذي تحدث عنه الجنرال عون ، ربما أخيراً وجدوا أحداً في الطائفة السنية يعتبر نفسه مؤهلاً لموقعٍ متقدم مستعد لأن يضحي بكل مكاسب الطائف ، وأعتقد أن هذا إنذار خطر لما يحضّر له "حزب الله" ، ومحمد الصفدي بهذه المناسبة لم يكن إلا ناطقاً بما يعتقد الحزب أنه قادرٌ على تنفيذه وهو المؤتمر التأسيسي بمعنى وضع اليد نهائياً من قبل "حزب الله" على الدولة اللبنانية كاملة".
 
الطائف يجمع الحريري وميقاتي.. والصفدي يطعن
 
طعن الصفدي بإتفاق الطائف بما يحمله من إستعادة التوازن في الدولة بعد حرمان السنة من حقوقهم منذ الإستقلال ، وكان مستعداً للسير في الإنقلاب عليه لو مكنته الوقائع من ذلك ، بالتعاون مع "حزب الله" ، في حين أن الرئيس الشهيد رفيق الحريري كان من أهم المساهمين في إنجازه ، والرئيس سعد الحريري يعتبره أساس المعادلة الوطنية ، بينما يُعتبر الرئيس ميقاتي من أشدّ المدافعين عنه وعن مقام رئاسة الوزراء ، وبهذا المعنى ، فإن ما يجمع الحريري وميقاتي على المستوى الإستراتيجي هو ثلاثة عناصر:
 
ــ الحفاظ على إتفاق الطائف.
ــ حماية هيبة رئاسة الوزراء.
ــ إستنقاذ الواقع السني من التدهور وحماية الإعتدال.
وهذه العناصر يتمسك بها الرئيس الحريري وهي متوافرة في أداء وخطاب الرئيس ميقاتي ، مما يجعل كلام الصفدي عن الدفاع عن السنة وعن الإعتدال ، رمياً للفتنة وشقاً للصف بالمعنى الإسلامي العام ، وبعيداً عن المصطلح الإنتخابي السائد.
 
ماذا يحتاج الحريري؟
 
بصراحةٍ أكثر ، لا يحتاج الرئيس الحريري إلى "صندوق أحقاد" الصفدي ليُخرج منه أضغانه ضد ميقاتي ، وليكون تيارُ المستقبل متراساً بهذه الحملة التي لن تكون ذات فائدة إنتخابية ، لأن من يؤيّد الصفدي سيلتزم يخياره ، سواء جلس في  بيته أو أطلق العنان للسانه يميناً وشمالاً.. وخطابُ الصفدي "الشيطاني" لا يصبّ أبداً في صالح تيار المستقبل ، لأنه أثار إشمئزاز حتى بعض المقربين منه ، ومن يراقب وجوه المستمعين لخطابه يرى الصدمة والدهشة والصدمة تعلو وجوههم وهم يستمعون كلاماً غير متوقع في التهجّم والتجريم الشخصي ، فضلاً عن أنه سيثير الكثير من ردات الفعل التي تستعيد لحظات الإشتباك في مراحل متعدّدة.
 
الحريري: خطاب طمأنة الناس
 
يحتاج الرئيس الحريري اليوم إلى خطابٍ جامع يُشعر الناس بالأمان لا بالتسلّط ، ويعيد المحبة لا الهواجس والقلق ، ويجسُر الهوة التي يعترف بها الجميع ، بمن فيهم الصفدي ، الذي أقرّ بوجود "أخطاء" لدى تيار المستقبل.
يُطلق بعض من في تيار المستقبل وبعضُ الملتحقين به خطاب إستعلاءٍ يثير القلق عند أهل طرابلس وعموم المناطق السنية ، وهو خطابٌ يؤدي مفعولاً معاكساً ومضاداً ، ولا يخدم حملته الإنتخابية.
يريد الناس أن يسمعوا من الرئيس الحريري كيف سيستعيدون ثقة الناس ، وكيف سيتصرف مع الذين أساؤوا التصرف وقصّروا ، وكيف سيكون التواصل مع أبناء مناطقنا بعد الإنتخابات ، وكيف يمكن إطلاق مشاريع التنمية بدون أن تغرق في الفساد والروتين ، فتمرّ عشر سنوات على جسر دون أن يُستكمل ، وتمضي خمس سنوات على منطقةٍ إقتصاديةٍ خاصة في الفيحاء وهي لا تزال حصى على شاطئٍ يأكله مكبٌّ يسرطن حياة الناس.. ثم يرمى ذلك على الحريري دون أن يتحمل المسؤولون التنفيذيون أي تبعات حقيقية عن هذا التقصير.
 
يحتاج الرئيس الحريري إلى صيغة إستقرار وسكينة لجمهوره بعد أن ضربته التحوّلات والظروف وجعلته أشدّ الفئات قلقاً وتوجساً من المصير ، وأكثر الشرائح حاجةً للأمان وحسن الخطاب والتلطف والرحمة ، دون الحاجة إلى الإستعطاف الإنتخابي العابر..
 
النسبية تفرض التنوع.. فلنعُد لمعادلة سماحة مفتي الجمهورية
 
يفرِض قانون الإنتخابات النسبي بصيغة الصوت التفضيلي على تيار المستقبل خسائر إنتخابية نظراً لطبيعته التي غيرت قواعد العملية الإنتخابية ، وهذا أمر يطال كلّ القوى السياسية ، والواقع أن الرئيس ميقاتي سيستفيد من "النسبية" لتعزيز حضوره في دائرة طرابلس – المنية – الضنية ، وهذا الأمر لا يشكّل تهديداً لزعامة الرئيس الحريري ، خاصة أن الرئيس ميقاتي لم يطلق مواجهة مفتوحة مع الرئيس الحريري في كل المناطق رغم قدرته على ذلك ، وإكتفى بتبيت حضوره في دائرته المباشرة.
 
بعد إستعادة الرئيس الحريري للزخم العربي والدولي في علاقاته الخارجية ، وخاصة المملكة العربية السعودية ، باتت المعادلة السنية محكومة بعاملين:
ــ أن الرئيس الحريري متقدم وسيشكل الحكومة المقبلة ، رغم التراجع المتوقع لعدد نوابه.
ــ أن الساحة السنية ستشهد تنوعاً في التمثيل النيابي بحكم القانون النسبي ، وسيكون الرئيس ميقاتي والوزير ريفي حاضرين فيها ، وسيكون هذا التنوع في صالح السنة ، إذا تمّ إستثمارُه على قاعدة التكامل وخدمة المصلحة الإسلامية والوطنية.
 
لذلك من المهم أن يتخلّص تيار المستقبل من مفاعيل مرحلة إستقالة الرئيس الحريري وما تخلّلها من إرباكات ، ولنتذكر ما سبق الإستقالة من إعلان عن حالة إحباط عبـّر عنها نواب في التيار ، وبدل الإنسياق نحو خطابٍ يكرّس الإنقسام الداخلي ، نأمل أن نشهد خطاباً يستعيد الثقة ويوحي بالأمان ويكرّس الوحدة ، خاصة أن الفرصة قائمة ويمكن تحويل الإستحقاق الإنتخابي إلى محطة تواصلٍ إيجابي مع الناس وإستبعاد أصحاب الخطاب التحريضي والفتنوي.
يريد الناس إستعادة مرحلة التعاطف العميق مع الرئيس الحريري يوم كانت طرابلس تستقبله بحرارة وحماسة ، ويوم كان الجميع بمن فيهم الرئيس ميقاتي منسجمين مع الإطار السني والوطني العام ، ولا نعتقد أن مرحلة ما بعد الإنتخابات ستشهد خلاف ما إعتدناه من عودة الجميع إلى الثوابت الوطنية والإسلامية ، فلا المقدمات السياسية توحي بذلك ولا ختام السباق الإنتخابي يعطي أي إشارة نحو التصادم.
التنافس الإنتخابي مشروع ، وقد أكّد عليه سماحة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان الذي شدّد على أن "تَبقَى وَحدَةُ المُتَنَافِسِينَ وتَلاقِيهم هيَ الأساسُ لِلنُّهوضِ بالدَّولةِ ومُؤسَّسَاتِها، وَلَدَيْنَا مُشْكِلاتٌ كَثيرةٌ اقتِصادِيَّةٌ واجْتِمَاعِيَّة، فالكُلُّ مَدعُوٌّ إلى العمل، إنْ كانَ داخِلَ السُلطَةِ أو خَارِجَها".