كما في بعلبك - الهرمل والبقاع الغربي والشوف - عاليه ومرجعيون يجهد «التيار الوطني الحر» لإيجاد موطئ قدم له في دائرة عكار. تثبيت التمثيل العوني في دائرة الشمال الأولى يكتسب أهمّيةً مضاعَفة، أولاً لأنه يشكّل امتداداً للتمثيل المضمون، من خلال الوزير جبران باسيل، في الدائرة الثالثة المسيحية الصرف، وثانياً لتعويض الخسارة المسيحية المحتمَلة في طرابلس
 

في انتخابات 2005 و2009 خاضَ تيار «المستقبل» معركة مضمونة ومريحة في معقله بعكس ما ينتظره في السادس من أيار المقبل. بالتأكيد، عكار لم تعد «في الجيبة» سنّياً، كما أنّ أوّل مَن سينافسه على مقاعدها المسيحية «حليف السراء والضراء» الوزير جبران باسيل، كذلك اللائحة التي يدعمها تيار «المردة».

تسلّح باسيل، في الدورتين الانتخابيتين السابقتين، بخطاب سياسي إنتهت صلاحيّتُه اليوم مع دخول «التيار البرتقالي» مدارَ التناغم السياسي والانتخابي مع تيار «المستقبل».

جَرت محاولاتٌ جدّية في عكار للتحالف بين الرئيس سعد الحريري وباسيل، لكن كان يصعب فصلُ دائرة الشمال الأولى، بمقاعدها السبعة، عن مفاوضات التحالف المحتمَل في بيروت الثانية والبقاع الغربي وصيدا - جزين. هكذا سقط التحالف بالجملة بين «الصديقين» في هذه الدوائر، وبدربه التحالف المحتمَل الذي روّج له في بعبك - الهرمل، فصعدت «القوات اللبنانية» الى المركب «الأزرق» وبقي «التيار» خارجه.

وكان يمكن لتحالفٍ ثلاثي قوامُه «التيار»-«القوات»-»المستقبل» أن يأخذ مداه في دائرة عكار ويحصد خمسة أو ستة من أصل سبعة مقاعد، لكنّ الخلاف على الحصص والأحجام عرقل المشروع، بما في ذلك تحالف «المستقبل» والعونيين الذي كان سيؤدّي حتماً الى تخلّي «التيار البرتقالي» عن مرشحه الحزبي الأوّل في الاستطلاعات الداخلية جيمي جبور.

في دائرة الـ 120 الف مقترع سنّي، من أصل 186920 ناخباً، يخوض «المستقبل» نوعين من المواجهة:

ـ الأولى، مع خصوم «التيار الأزرق» التقليديين، وقد عبّر الحريري صراحة عن خشيته من «عودة بشار الأسد الى تشكيل اللوائح في عكار»، إضافة الى خصمه اللدود اللواء أشرف ريفي.

ـ الثانية، مع حليفه «التيار الوطني الحر»، القوة المسيحية الأكبر في عكار، حيث يسعى باسيل الى تكريس التمثيل المسيحي، من ضمن «كتلة العهد»، في بقعة صُنّفت عونياً دوماً على خريطة «الحقوق المسلوبة»، إضافة الى «طحشة» النائب سليمان فرنجية الواضحة حيث يخوض المعركة مع الحزب السوري القومي الاجتماعي وقوى 8 آذار، ساعياً في الأساس الى اختراق عبر مرشحه الأرثوذكسي كريم الراسي.

يخوض باسيل معركته عبر مرشّحيه المسيحيين الثلاثة في عكار:

يوصف تمثيل جيمي جبور، المرشح عن المقعد الماروني، على اللائحة بالأكثر منطقية. مناضل ضمن «التيار»، ناشط رقم واحد في مجال الخدمات، قريب من القاعدة، وسجّل «سكوراً» عالياً في الاستطلاعات الداخلية التي أجراها «التيار» على مراحل. كاد جبور، إبن القبيات أن «يطير» فعلاً من اللائحة لو كُتِب للتحالف العوني - المستقبلي أن يرى النور حيث الأولويّة في هذه الحال لهادي حبيش، نائب «المستقبل» منذ 2005، وإبن القبيات أيضاً.

لكنّ اختيارَ باسيل لمرشّحيَن حزبيَين على اللائحة هما جبور وأسعد درغام عن المقعد الأرثوذكسي أدخل اللائحة في مأزق حقيقي، حيث سيتمّ تناتشُ الأصوات التفضيلية بين «الرفيقين» على اللائحة، ما قد يضعف حظوظهما معاً.

في الكواليس يروّج درغام لخسارة محتّمة لجبور في اعتبار أنّ فوز منافسه على لائحة «المستقبل»-»القوات» هادي حبيش مضمون، وجبّور في المقابل لا يتوانى عن التأكيد بأنه صاحبُ حيثية وسيكسب تعاطفاً في التصويت يصل مداه الى الصوت الأرثوذكسي.

المشكلة الثانية التي تواجه اللائحة أنّ باسيل، وعلى قاعدة money talks، تخلّى عن ترشيح الوزير يعقوب الصراف لمصلحة درغام الأكثر سخاءً و»دسامة» مالية. وزير الدفاع كان قادراً على رفع الحاصل أكثر عبر استقطاب أصوات من خارج الملعب العوني، بفعل موقعه الوزاري. بالنتيجة، «حرب» الصوت التفضيلي بين جبّور ودرغام، عبر «تناتش» أصوات الملتزمين في «التيار»، قد يرتدّ سلباً على الطرفين.

ولا يمكن الإفتراض، من الآن حتى فتح صناديق الاقتراع، بأنّ «التيار» قادرٌ على «تنظيف» سجلّ نائب تيار «المستقبل» رياض رحال، الملتحق باللائحة «البرتقالية»، من النعوت التي وجّهها في السابق الى الرئيس ميشال عون متّهماً إياه بنحو غير مباشر بالسرقة «والساعي الى انتخابات معلّبة أشبه بالتعيين في سدّة رئاسة الجمهورية».

هكذا انتقل رحال من لائحة «الخرزة الزرقاء» ليحطّ على إحدى لوائح العهد الذي اتّهم رئيسَه يوماً بـ «التوافقية الوصولية»، «فكيف يمكن له أن يكون توافقياً عندما يؤيّد «حزب الله» في خراب البلد، والرئيس السوري في قتل شعبه. فليأخذ الأسد عون ويجعله نائباً له». ما حصل فعلياً، أنّ رحال سيجلس، في حال فوزه، على طاولة العهد المؤيّد لمقاومة «حزب الله» العابرة للدول، والحليف المسيحي الأوحد لبشار الأسد في المنطقة!

وثمّة منافسة حقيقية على المقاعد المسيحية الثلاثة، مع العلم أنّ عكار رَسَت على ست لوائح. أرثوذكسياً في مواجهة مرشحيّ «التيار الوطني الحر» درغام ورياض رحال، يبرز ترشيح كريم الراسي يدعمه تحالف «المرده» و«القومي» وقوى 8 آذار، وبدرجة أقل مرشح «القوات» وهبي قاطيشا. أما مارونياً، فتدور منافسة تكاد تكون متكافئة بين جبّور وحبيش مرشح «المستقبل، فيما يبرز ترشيح مخايل الضاهر على لائحة 8 آذار، والعميد جورج نادر على اللائحة التي يدعمها المجتمع المدني، وزياد بيطار على اللائحة التي يدعمها اللواء أشرف ريفي.