سؤال يتردد على لسان اكثر من مسؤول سياسي ومحلل في الآونة الاخيرة. الإجابات تتنوع بين الأسباب المحلية الوجودية لكتل وأحزاب وبين أسباب محلية مناطقية وعائلية انمائية في ضؤ صراع تيارات وأحزاب مع بيئاتها.

أما الحقيقة ففي مكان آخر …

فاذا كانت انتخابات 6 أيار المقبل مهمة لا بل بالغة الاهمية، فهي لأنها بالغة الخطورة على مستقبل لبنان ومصيره وعلى مستقبل النظام والكيان والموقع الجيو – استراتيجي – انطلاقًا من أن المجلس النيابي الذي ستفرزه العملية الانتخابية سيحدد الى حد كبير ملامح تموضع لبنان الدولة والكيان للسنوات المقبلة اقليميًا ودوليًا خصوصًا في ظل اشتداد الكباش الدولي الاقليمي .

لم يكن من قبيل الصدفة او الترف الإشارة التي اطلقها نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم، المكلف رسمًيا بملف بعلبك – الهرمل، بأن هذا الإستحقاق من اهم انتخابات مرت عليهم خلال الأعوام السابقة في لبنان بسبب حجم التحديات والتي هي اكبر من اي وقت مضى… فهذا الكلام يختصر حقائق أساسية تتخطى الحدود اللبنانية والحسابات الداخلية – ويمكن اختصارها بالتالي: اولاً: الجمهورية الاسلامية الايرانية حققت عملية خرق ثقافي ومذهبي وسياسي واستراتيجي في المنطقة وخلقت بيئات شيعية من خارج اطر الدول والحكومات، كما الحزب في لبنان والحوثيين في اليمن والحشد الشعبي في العراق، وقد باتت طهران تنظر الى الشرق الاوسط على انه ملعبها الجيو – استراتيجي الاصلب والاقوى مستفيدة من التحالف الروسي – التركي ومن عناصر الانتصار الميداني لحليفها السوري، نظام الاسد في سوريا . وانتقلت ايران مما كانت تسميه هي “الدفاع الهجومي” الى مرحلة بسط سلطانها وتأثيراتها في تحديد مصير المنطقة، ومعها انتقلت المنظمات والبيئات المختلقة منها كما “حزب الله” في لبنان الى مرحلة استثمار الانتصارات والهيمنة الجيو – استراتيجية على الفضاء الشرق الاوسطي… الامر الذي ينذر بمرحلة من الاختلالات والصراعات الاقليمية المتواصلة مستقبليًا ومن الفوضى والحروب والاضطرابات، لمحاولة استعادة الشعوب العربية المناهضة زمام السيطرة…

ثانياً: انطلاقًا من التوصيف اعلاه، وازاء صراع المرجعيات الدولية للازمة في سوريا بين منصات استانة وسوتشي ومنصات جنيف وفيينا، وامام الهبة الغربية ضد استعمال الكيماوي في “دوما”، تبين ان ما كان يعتبر بمثابة استتباب الأمور للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوريا، لم يكن في الحقيقة سوى فترة سماح للرئيس الروسي، حيث ظن لفترة انه يتحكم لوحده بمفاصل اي تسوية اقليمية للملفات الساخنة، وفرضه ما يشبه طاولة “يالطا اقليمية” عبر التحالف الثلاثي الايراني – الروسي – التركي، فاذا بطهران حاليًا تجد نفسها بحاجة الى استثمارات سياسية داخلية في دول امتدادها الاستراتيجي الجديد لنجاحاتها، وبذلك تعمّق وجودها وسيطرتها من داخل الانظمة التي تملك فيها ادواتها وهي حاليًا امام استحقاقين انتخابيين: الاول في العراق والثاني في لبنان، ومن هنا التركيز الكبير على تثمير سيطرتها من داخل المؤسسات الدستورية في البلدين ومن ضمن عملية ديمقراطية .
 
ثالثًا: الهجمة الاميركية – الغربية لمعاقبة الاسد على استخدام الكيماوي في “دوما” وما قد يلقي بظلاله على حسابات محور الممانعة، لمنع اضعافه في الامساك الفعلي بالملف الاقليمي وانتزاع الصدارة الاحادية من الروس المتحالفين مع الايرانيين، ما يسهم الى جانب الدور الاسرائيلي المتأهب، بالمواجهة ضد ايران في سوريا، مساهمة كبيرة في عملية خلط الاوراق المحلية داخل الدول وفي المساحات الاقليمية في آن . فالتحدي كل التحدي خصوصًا في ظل التوتر الدولي بين الروس والاميركيين والاوروبيين والايرانيين في مجلس الامن وفي الميدان في اكبر تجلياته منذ الغارة الاسرائيلية الأخيرة على مطار التيفور، ان ينفذ الايرانيون وحلفاؤهم من خلال الانتخابات الى داخل النظام، فتكون ردة الفعل من خلال الانتخابات انقلابًا بقفازات ديمقراطية، على ثوابت الكيانية اللبنانية والتوازنات الطائفية والمذهبية وايذانًا بالحاق لبنان ركب دول الممانعة…

فالمسألة اذًا مسألة صراع مع الوقت لا بل سباق مع الاستحقاقات من اجل تكريس وضع اليد على الكيانين اللبناني والعراقي، في لحظة اقليمية ودولية تبدو متجهة نحو المزيد من التشنج والتشابك والصراع، وان بدت الى الآن في ظاهرها لمصلحة دول محور الممانعة… فما لايجب ان نغفله أن الضربة الأميركية – الغربية ضد الاسد، اذا ما حصلت، ستعيد الاميركيين بقوة الى الساحة السورية ومنها الى الحسابات الاقليمية وستعيد خلط الاوراق خصوصًا عند الفريق الدولي والاقليمي الذي ظن انه الوحيد الممتلك حصرية فرض قواعد اللعبة.

ومع انه ليس في لعبة الأمم من منتصر دائم او خاسر دائم، خصوصًا عندما تكرس الانتصارات انهزامات دراماتيكية لمحاور قوى ذات طابع طائفي ومذهبي محوري في المنطقة، لا تلبث ان تنتفض لمصالحها وتحاول بالقوة استعادة الحقوق المغتصبة او المستولى عليها . فاي تسويات غير متوازنة تحمل في طياتها بذور حروب وصراعات مقبلة ولبنان كما العراق في انتخاباته، وقد يكونا المحطة التي منها يتوقف الاستيلاء الاقليمي على المنطقة او تلك التي منها يتكرس سقوط المنطقة في عصر جديد من الحروب والنزاعات والفوضى مع تنامي التطرف المضاد وخلق بيئات حاضنة لقلب التوازنات. لذلك على اللبنانيين ان لا يعتقدوا للحظة، ان الانتخابات في 6 ايار نزهة معتادة، بل هي فعلاً محطة تاريخية مفصلية يتوقف على نتائجها مصير لبنان ودوره المحوري في المنطقة، كما مصير تداعيات المنطقة على امنه واقتصاده واستقراره وكيانيته بتوازناتها الداخلية.

لهذه الاسباب مجتمعة نستطيع ان نفهم سبب خطورة واهمية انتخابات 6 ايار… فالى الخيارات السيادية والاستقلالية اذا اردنا المحافظة على نأي بالنفس وبناء دولة قوية قادرة ومستقلة ومتوازنة وحديثة، او بحد ادنى تمرير الاستحقاق باقل الاضرار الممكنة وفق معادلة اللا-غالب واللا-مغلوب، قبل ان يعرض لبنان نفسه لحرق اصابيعه في اتون النيران المستعرة من حوله.

(جورج ابو صعب)