ارتفعت في الأيام الماضية التقديرات الأميركية والإسرائيلية التي تتحدث عن احتمال حصول حرب كبرى في لبنان في الصيف المقبل، وتزامنت هذه التقديرات مع زيادة وتيرة التصعيد في سوريا بعد القصف الإسرائيلي لمطار طيفور3 (في ريف حمص)، والتصعيد المتكرر من الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد روسيا وإيران وسوريا وحزب الله، إضافة إلى التوتر الإقليمي الناتج من الاتجاه الأميركي لإلغاء الاتفاق النووي مع إيران، والحملة المستمرة على حزب الله.
فما هي أبعاد التقديرات المتكررة من قبل المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين حول احتمال اندلاع حرب مدمّرة ضد لبنان في الصيف المقبل؟ وهل هذه التهديدات هي جزء من الحرب النفسية، أم أنّ هناك تحضيرات حقيقية لشنّ مثل هذا العدوان؟ وكيف تنظر أوساط حزب الله والمقاومة الإسلامية لهذه التقديرات؟ وماذا عن الاستعدادات الميدانية لمواجهة أي تصعيد محتمل في الصيف المقبل؟
أبعاد التقديرات الأميركية الإسرائيلية
بداية، ماذا عن التقديرات الأمريكية والإسرائيلية حول احتمال حصول حرب مدمّرة في الصيف المقبل؟ وما هي الأبعاد السياسية والعسكرية لهذه التصريحات؟
لقد كان لافتاً أنه خلال الأسبوع الماضي برزت مواقف وتقديرات أميركية وإسرائيلية متزامنة حول احتمال حصول حرب إسرائيلية مدمّرة ضد لبنان في الصيف المقبل أو قبل نهاية العام، فقد نشر موقع «ميدل إيست أي» الأميركي مقالاً للكاتبة بيلين فرنانديز نقلت فيه معلومات عن اليوت أبرامز (أحد المسؤولين الأساسيين عن الشرق الأوسط في عهد الرئيس الأميركي جورج بوش الابن ورونالد ريغان)، وقد حذَّر ابرامز من اتجاه الأوضاع نحو المواجهة بين لبنان وإسرائيل في الأشهر المقبلة. واستندت الكاتبة الى تقرير أعده أبرامز بالتعاون مع السفير الأميركي السابق في الكيان الصهيوني في عهد باراك أوباما دانييل شابيرو جاء فيه: «إن على الإدارة الأميركية ان تُعد خطة إجلاء شاملة لرعاياها في لبنان تحضيراً للمواجهة الحاسمة التي تبدو أنها واقعة محالة مع إسرائيل».
وأشارت الكاتبة الى «أن المسؤولين الإسرائيليين مستمرون بالتهديد بشنّ حرب جديدة خلال الـ12 عاماً الماضية (أي منذ انتهاء حرب تموز 2006»، وان كل المؤشرات تؤكد أن الصراع سيكون أشد ضراوة في المرحلة المقبلة.
وبموازاة هذا التقرير، كان رئيس أركان الجيش الإسرائيلي غادي ايزنكوت يتوقع في حديث صحافي «ان تحصل حرب كبيرة مع حزب الله خلال عام 2018»، وأوضح ايزنكوت في حوار مع موقع (المصدر) ونقلته وكالة «معاً» الفلسطينية ان الفرص قائمة هذا العام لاندلاع حرب أكبر مما شهدته السنوات الثلاث السابقة في ولايتي، وان الخطر العسكري الأكبر على إسرائيل يأتي من الجبهة الشمالية، وان أي حرب ستندلع لن تكون مثل سابقاتها، وان الجيش الإسرائيل سيدمر كل المناطق التي يوجد فيها حزب الله، ولن يكون هناك حصانة للمدنيين، وان تدخل إيران لدعم حزب الله سيكون احتمالًاً ضعيفاً. وتزامنت هذه الأجواء مع نشر أخبار من ان الجيش الإسرائيلي يُعدّ لعملية اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في أي حرب مقبلة.
وقد اعتبر الرئيس العماد ميشال عون والرئس نبيه بري ان هذه التصريحات خطيرة، وهي بمثابة إعلان حرب على لبنان.
لكن ما هي دلالات هذه التقارير والتصريحات، وهل يعني ذلك اننا سنكون أمام حرب مؤكدة قبل نهاية العام الحالي أو في الصيف المقبل؟
أحد المتخصصين بالشؤون الإسرائيلية أوضح لـ«الأمان» «ان هذه التصريحات والمعطيات هي نوع من تقدير للموقف العسكري، وان التحضيرات الإسرائيلية لشنّ حرب على لبنان مستمرة منذ عدة سنوات، لكن الحديث عنها لا يعني ان الحرب ستقع بشكل مؤكد وحاسم، لأن قرار الحرب مرتبط بالأوضاع السياسية والميدانية، سواء داخل الكيان الصهيوني أو على صعيد الأوضاع في المنطقة والعالم، فقرار الحرب ليس قراراً إسرائيلياً، بل هو قرار إسرائيلي - أميركي، لأن تداعيات أي حرب محتملة لن تقتصر على الجانبين الإسرائيلي واللبناني، بل قد تتحول الى مواجهة شاملة في المنطقة».
أجواء حزب الله والمقاومة الإسلامية
كيف ينظر حزب الله والمقاومة الإسلامية الى التقديرات الأميركية والإسرائيلية حول احتمال حصول حرب في الصيف المقبل أو قبل نهاية العام؟ وهل هناك تحضيرات ميدانية لمواجهة مثل هذه الحرب؟
أوساط مطلعة على أجواء الحزب والمقاومة تقول: «ان الاستعدادات الإسرائيلية لشنّ حرب على لبنان مستمرة منذ عام 2006، وان الجيش الإسرائيلي عمد خلال الـ12 عاماً السابقة الى إجراء عشرات المناورات العسكرية، وأعد الكثير من الخطط الميدانية، وطوَّر منظوماته العسكرية واللوجيستية، لكن رغم كل هذه التحضيرات لم يصل الأمر الى حد اتخاذ القرار بشنّ الحرب خلال الـ12 عاماً الماضية».
وتوضح الأوساط «ان أي حرب سيشنها الجيش الإسرائيلي على لبنان أو حزب الله يجب ان تؤدي الى نتائج حاسمة وسريعة (وفقاً للتقديرات الإسرائيلية)، لأن الجيش الإسرائيلي لا يريد تكرار ما حصل عام 2006 من تطور الحرب الى مواجهة واسعة، كما انه يريد إنهاء القدرة الصاروخية للحزب في التصريحات الأولى، كي لا يستطيع حزب الله انزال خسائر كبيرة في الداخل الإسرائيلي».
وتضيف الأوساط: «ان الجيش الإسرائيلي يعمل أيضاً لمنع انتقال مقاتلي الحزب والمقاومة الى داخل الكيان الصهيوني، وخصوصاً في منطقة الجليل الأعلى، ولذلك سارع الى بناء الجدار الاسمنتي على الحدود وهو يعمل لتعزيز حماية المناطق الحدودية».
وفي ضوء ذلك، فإن هذه الأوساط تعتبر «انه حتى الآن لم يصل الإسرائيليون الى قرار واضح بأن أي حرب ستشن على لبنان وحزب الله ستحقق أهدافها، إضافة الى ان الأوضاع الإقليمية والدولية غير مساعدة لحصول مثل هذه الحرب حالياً».
لكن هل يعني ذلك أن حزب الله والمقاومة الإسلامية يستبعدان الحرب نهائياً وأنه لا يتم التحضير لمواجهة مثل هذا الاحتمال؟
تجيب الأوساط بأنه «حالياً الحرب مستبعدة، لكن ذلك لا يعني عدم احتمال حصولها في أي وقت مستقبلاً إذا توافرت المعطيات والأوضاع الميدانية، ولذلك فإن المقاومة الإسلامية تعمل باستمرار من أجل مواجهة مثل هذا الاحتمال، وان المواقف التي يطلقها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله والمسؤولون في الحزب حول القدرة على الرد على أي حرب بشكل غير تقليدي ومؤلم هي جزء من الرسائل الواضحة للكيان الصهيوني، بأن أية معركة ستجري يمكن العدوّ تحديد موعدها، لكنه غير قادر على التحكم بنتائجها ونهايتها».
وتكشف هذه الأوساط عن «ان الحزب والمقاومة هما في حال استعداد ميداني دائم للرد على أي عدوان وان هناك متابعة دائمة لكل ما يقوم به الجيش الإسرائيلي من تحضيرات، وان أية حرب مقبلة لن تكون مؤلمة للبنان فقط، بل كذلك للكيان الصهيوني، وقد تكون المواقف الإسرائيلية نوعاً من التهويل والحرب النفسية لطمأنة الداخل الإسرائيلي».
وبانتظار وضوح المعطيات حول ما يجري من المنطقة، يبدو ان قرار الحرب مؤجل في الأفق المنظور، وإن كان الحذر والانتباه مطلوبين بشكل دائم.