حاول مارك أمام الكونغرس طمأنة الشيوخ والنواب بأن هناك ضوابط لكل شيء ، ووعد بتقديم إيضاحات وتشريعات وضمانات تكفل خصوصية المستخدمين
 

 

إنشغل العالم في بحر هذا الأسبوع بمثول مؤسّس شركة فايسبوك ومديرها التنفيذي مارك زوكربيرغ أمام لجنة خاصة في الكونجرس الأميركي للإدلاء بشهادته حول قضايا تسرّب بيانات المستخدمين للتطبيق إلى أطراف ثالثة.

ولمدة يومين متتاليين ، حاول مارك جاهدا تقديم إيضاحات حول قضايا الخصوصية وخطاب الكراهية المنتشر على منصة فايسبوك والتدخل الروسي في الإنتخابات الرئاسية الأميركية عام ٢٠١٦ والأمان ، وأبرز قضية ساهمت في مثوله أمام اللجنة هي فضيحة شركة " كامبريدج أناليتيكا " التي جمعت بيانات ل ٨٧ مليون مستخدم من دون إذن وقدمتهم كخدمات للحملة الإنتخابية للرئيس دونالد ترامب.

في الغرفة ٢١٦ بمبنى مجلس الشيوخ ، قدّم زوكربيرغ شهادته أمام لجنة تتألف من شيوخ ونواب ، وقد بدا عليه التوتر والتعب في بعض الأحيان بسبب الأسئلة المحرجة التي طُرحت عليه ، لكن من الإعترافات المضحكة التي قالها أن بياناته الشخصية هي أيضا من ضمن بيانات ال ٨٧ مليون مستخدم التي سُرقت من قبل شركة " كامبريدج أناليتيكا ".

ولمدة ١٠ ساعات وعلى يومين ، أجاب زوكربيرغ على العديد من الأسئلة ، فيما وعد بالإجابة عن ٤٠ سؤالا بشكل مكتوب بعد مراجعة فريق عمله .

وأوضح أن المستخدمين يملكون خيار التحكم ببياناتهم ، فهم يستطيعون متى شاءوا حذفها أو نشرها أو تعليقها ويختارون ما يريدونه منها ، واعدا بأنه سيعمل على تشريعات إضافية لحماية خيارات الخصوصية لديهم والحدّ من تدخل المطوّرين. 

وإعترف مارك بأن فايسبوك يجمع بيانات عن المستخدمين لها علاقة بمشترياتهم  ومعلومات شخصية وطبية وجغرافية ، وأكد أن معظم المستخدمين ، رغم وجود خيارات الخصوصية ، لا يستخدمونها كي يستفيدوا من الإعلانات على الفايسبوك .

وربطا بهذا الشقّ من القضية ، يوجد تعاون بين الأجهزة الأمنية الأميركية وفايسبوك للإستفادة من هذه البيانات لغايات حفظ وحماية الأمن القومي الأميركي. 

أما في قضية حماية المراهقين دون ١٨ عاما ، فاعتبر زوكربيرغ أن معظم هذه الشريحة تميل إلى التعبير عن نفسها وآرائها بحرية ودون قيود ، واعدا بالعمل على تقديم الحماية الكافية لخصوصيتهم.

وعن خطابات الكراهية وقضايا الإرهاب ، اعتبر أن فايسبوك يمتلك المليارات من البيانات في محتواه ، وهذا الأمر بحاجة إلى المزيد من العمل والجهد للحدّ من هذا الخطاب .

وفي شأن التدخل الروسي في الإنتخابات ، أوضح مارك أن روسيا من الدول التي تشترط على كل شركة إنترنت أن تُخزّن بياناتها داخل أراضيها ، وهذه كانت إشكالية ونقطة خلاف بينها وبين الفايسبوك.

وأكّد أن لدى روسيا مطورين ( هاكرز ) عملهم الوحيد مهاجمة الأنظمة الإلكترونية الأميركية ، واصفا ذلك بأنه " سباق تسلّح بين روسيا وأميركا ".

وتُعّد قضية خرق الخصوصية من الأمور الأساسية التي أثارت الرأي العام العالمي ، خصوصا أن الفايسبوك متهم بالتجسّس على محادثات المستخدمين في تطبيق المسنجر ، ما يسمح لمطوّرين ( طرف ثالث ) بخرق هذه المحادثات والبيانات وإستغلالها.

وقد أوضح مارك في مرّات سابقة أن فايسبوك من خلال التجسُّس على المسنجر ، ساهمت في إيقاف العديد من الرسائل بين طرفين كانت ستؤدي لأعمال عنف أو أشياء مرتبطة بذلك.

 

إقرأ أيضا : مؤسس فيسبوك يعلن أمام مجلس الشيوخ تحمله المسؤولية الكاملة عن التسريبات

 

 

قضية شركة " كامبريدج أناليتيكا ":

 

من الأسباب الرئيسيّة لتكشّف فضيحة تسريب بيانات المستخدمين في الفايسبوك ، هي قضية شركة " كامبريدج أناليتيكا " “Cambridge Analytica “، وهي شركة إستشارات تهدف إلى جمع البيانات حول المستخدمين للتعرّف على ميولهم النفسية وسلوكهم وتوجهاتهم السياسية والإجتماعية ، وبالتالي البحث عن الكيفية للتأثير على خياراتهم الإنتخابية .

وهذه الشركة بالأساس هي نواة لتطبيق تأسّس سابقا على يد أحد أساتذة علم النفس في كلية كامبريدج كما ذكر موقع العربية .

وقد باعت هذه البيانات للحملة الإنتخابية للرئيس ترامب ، وتقوم أيضا ببيع هكذا بيانات خارج أراضي الولايات المتحدة الأميركية بعد الدخول على هذه البيانات وخرق الخصوصية دون إذن مسبق ، وقد كسبت العديد من الأموال جرّاء هذه العملية.

علما أن الشركة كانت قد وعدت فايسبوك بحذف البيانات إلاّ أنّها لم تف بالوعد ، وإضطّر فايسبوك لاحقا لإيقاف الصفحة مع إعلاناتها.

وخسرت أسهم شركة فايسبوك في الأيام الأولى لإيقافها حوالي ٦٠ مليار $ وتعرّضت مكاتبها في لندن للتفتيش .

وكانت بريطانيا قد طلبت من زوكربيرغ المثول أمام مجلس العموم البريطاني للتحقيق في القضية ، لكنه رفض الأمر وسينتدب ممثلا عنه للتعامل مع التحقيق.

 

إقرأ أيضا : زوكربيرغ: لا أزال الأقدر على إدارة فيسبوك

 

 

فلسفة الخصوصية وحدود الحرية لدى زوكربيرغ :

 

ما قام به مارك زوكربيرغ عبر تأسيس " فايسبوك " "Facebook “ هو ثورة على مختلف الصعد ، فالرجل الذي إنتقل من شقة طلابية ليصبح من أكبر مليارديرات العالم ، كان له دائما فلسفته الخاصة عن الخصوصية ومعنى الحرية .

حاول مارك أمام الكونغرس طمأنة الشيوخ والنواب بأن هناك ضوابط لكل شيء ، ووعد بتقديم إيضاحات وتشريعات وضمانات تكفل خصوصية المستخدمين .

لكن فلسفة مارك الخاصة توحي بشيء آخر ، فمن يرى آلية عمل فايسبوك والتطبيقات الأخرى التي إستحوذ عليها مارك ك " إنستغرام " و " واتسآب " يُلاحظ أن الرجل يطمح إلى عالم من التطبيقات لا يوجد فيه أسرار أو خصوصيات .

وهو يعمل على مشاركة المعلومات والبيانات بطريقة شفّافة وأمام الرأي العام ، وإستطاع تحقيق قفزات نوعية في هذا المجال بسلاسة ورضى من قبل المستخدمين ، وإن كان هذا الرضى من دون معرفة أو دراية كافية لدى المستخدم نفسه .

لكن مارك يُدرك أن لكل شيء حدود وما يطمح إليه هو أمر جنوني ، فربط الأمر بحدود من الحرية يُمسك بطرفها المستخدم نفسه ، بحيث لديه الخيار وحده لكشف هذه البيانات أو حذفها .

ويُحاول مارك بناء فلسفته الخاصة والدفاع عنها بأقلّ الأضرار ، للجمع بين خصوصية متاحة للكشف بخيار المُستخدم نفسه .

أما الأروع فيما حصل في الأيام الماضية ، أن المستقبل الذي يعدنا به فايسبوك هو مستقبل الديمقراطية الحقيقية التي تسمح لمنتقدي مؤسّسها بثّ جلسة جلده من قبل الكونجرس والسخرية والتهكم عليه أمام الرأي العام العالمي على منصتها ، دون منع أو حجب .

وإن كان فايسبوك مُتّهم بأنه طرف غير مُحايد سياسيا من قبل شيوخ ونواب بعضهم قاصر عن علوم التكنولوجيا وفهم حقيقة ما حقّقه التطبيق ، إلاّ أنّ الأساس هو ما تعكسه رؤيته لعالم الغد ، عالم العولمة الحقيقية الذي إستطاع فايسبوك تحقيقه بشعاره " إنّه مجاني وسيكون دائما هكذا ".