يسعون إلى تحويل أنظار الناس وتطلعاتها من أجل مصلحة المنطقة، إلى أوهام بغيضة بوصفهم للمعركة الإنتخابية بأنها معركة وجودية تستهدف الطائفة
 

لا بد من الإعتراف أني فوجئت بمعظم التصريحات المرافقة للحملة الانتخابية في بعلبك الهرمل. كنت أقول أحياناً إن الانتخابات النيابية، ستمر بسلاسة لانها بالاساس تشكل حالة من عملية التجديد في الحياة السياسية، وهي تشكل بالضرورة املاً عند الناس بأن تعبر عن رأيها في صناديق الاقتراع لتختار ممثليها الذين يعبرون عن آمالهم وطموحاتهم.
والانتخابات النيابية مثل كل المشروعات الوطنية الكبرى، تحتاج إلى سياسي يؤمن بعمق بأهمية دوره التمثيلي ويملك ثقة الناس، ويتصرف فعلياً على هذا النحو.بما يلبي طموحات وآمال اهله وشعبه، واعتبرت انه يجب وبالضرورة أن لا تأخذ الانتخابات بعداً غير البعد الذي يصب في خدمة الناس اولاً واخيراً، لكني كنت واهماً لان هناك من يريد أن يحول الامر الى منازلة في السياسة، مغلفة دائماً أن هناك مؤامرة كونية تستهدفهم، ومن اجل ذلك يسعون إلى تحويل أنظار الناس وتطلعاتها من أجل مصلحة المنطقة، إلى أوهام بغيضة بوصفهم للمعركة الإنتخابية بأنها معركة وجودية تستهدف الطائفة ومعها يتم استحضار سلسلة من التابوهات، تلك التابوهات المزمنة التي تستحضر من جملة ما تستحضر استنهاض العصب المذهبي، وهكذا يتم إستحضار مشكلات من خارج سياق الاستحقاق ولذا يستحيل علاجها في المدى القريب والمتوسط والبعيد.

إقرأ أيضًا: ليبقى الإعتدال سمة المرحلة في بعلبك الهرمل
يظهر الآن أن في منطقتنا من الخير فوق ما ظننت، وفيها من الرجال الشجعان أكثر مما قدرت، يذكرني هذا بأحد اصدقائي الذي قال، قبل فترة من الزمن تقريباً، إنه - رغم كل إحباطاته - يرى بصيص أمل، وإن بدا بعيداً أو مستبعداً. أستطيع القول الآن إن ذلك الأمل لم يعد بصيصاً في نهاية الطريق، فهو حي أمامنا في صورة عمل واسع النطاق، متعدد الأبعاد، يعيد صياغة مستقبل المنطقة وأجيالها الآتية، بصورة تجاوز ما توقعناه في السابق من السنين.
المواقف التي يتم تداولها في الأسابيع الماضية من قبل الناس، تقدم دليلاً ساطعاً على أن تلك التابوهات لم تعد تلقى آذاناً صاغية، وأن المجتمع الأهلي في بعلبك الهرمل لم يعد في محطة الانتظار، فهو ومرشحوه منخرطون فعلياً في صناعة مستقبل مختلف، نأمل أن يكون خيراً كله وبركة كله ،وبالتأكيد على الكرامة والانماء.
من ذلك مثلاً حديث المرشح الدكتور انطوان حبشي في مقابلته مع تلفزيون الجديد ، الذي تضمن كثيراً مما يستدعي التوقف والتأمل. وأشير من بينها إلى نقطتين، تشكلان فيما أظن علامة فارقة في صورة المنطقة الجديدة، تتعلق الأولى بالفهم الجديد لمضمون النيابة، وخلاصته أن الصورة التي سادت في السنوات الماضية عن دور النائب في الحياة العامة، لا تعكس حقيقة التمثيل ولا تمثل تطلعات الناس، بل هي مسار صممته جماعة محددة، أرادت الهيمنة على مقدرات المنطقة وتوجيه مسارها، كي يخدم أغراضها هي، وليس مصالح المنطقة وأبنائها، أما في المرحلة الجديدة فسيكون دليلنا هو العمل، المنفتح والمتفاعل مع الناس، من دون تفريط ولا تعصب.

إقرأ أيضًا: هل يبقى التنافس الإنتخابي في بعلبك الهرمل تحت السيطرة؟
أما النقطة الثانية فتركز على أن لبنان وطن لكل أهله"، لدينا في المنطقة سنة وشيعة ومسيحيين، وفي داخل كل من هذه المكونات، لكل منها أتباع، وهم يعيشون معاً باعتبارهم يحملون جميعاً نفس العادات والتقاليد. والجميع هنا يعتبر أن الهوية الوطنية اللبنانية هي المظلة الجامعة لكل اللبنانيين، وأن اختلافهم في المذهب يندرج في إطار التنوع الذي يغني ثقافة المنطقة وحياتها، فلا يمكن للمذهب أو الانتماء الاجتماعي أن يشكل خط تمييز أو تفاضل بين بعلبكي أو هرملاني وآخر".
أعتقد أن كلا القولين جدير بأن يرفع شعاراً على كل منبر عام. فهما يلخصان بعض أهم عناصر التحول التي يشهدها المجتمع في البقاع الشمالي، أي التحول من مجتمع منغلق وخائف على هويته، إلى مجتمع منفتح على الآخر، معتز بذاته ومتصالح في الوقت نفسه مع التنوع الطبيعي الذي تشتمل عليه هويته الوطنية، الهوية التي تجمع ولا تفرق، الهوية التي تزداد عمقاً وغنى، حين تدمج جميع من يستظل بها، بكل مشاربهم الثقافية وتجاربهم التاريخية وتطلعاتهم.
نحن موعودون - بعون الله - بمستقبل خير مما مضى. ونعلم أن لكل تحول ثمنه، وأرى أن البقاعيين جاهزون لدفع هذا الثمن مهما كان باهظاً. 
كل ما نريده هو أن يعيش أبناؤنا حياة حرة كريمة تليق بهم وتليق بمنطقتهم، ويبدو أننا نسير في هذا الاتجاه.