الجبت الديني هو الذي يغتال كل وعيٍ وعقلٍ بأوهام وسخافات وخرافات ما أنزل الله بها من سلطان
 

 

عندما تنقلب وتتقلب محاور الفهم، يتحول الدين من طاقة تحريرية وتقدمية نحو الحياة والسعادة إلى طاقة نووية باليستية تدميرية تأكل الأخضر قبل اليابس، وهنا يتعانق العاشق بمعشوقه أي الطاغوت السياسي مع الجبت الديني، والجبت الديني هو الذي يغتال كل وعيٍ وعقلٍ بأوهام وسخافات وخرافات ما أنزل الله بها من سلطان، والطاغوت السياسي هو الذي يقمع شعبه ويصادر الحريات بقوة السلاح والسيطرة على رغيف الفقراء لتبقى الرقاب منحية ومطأطأة تحت أقدام فرعون وهامان، ولعل هذا ما أطلقه الفيلسوف "فولتير" (اشنقوا آخر قسيس بأمعاء آخر إقطاعي).

إقرأ أيضا : هكذا صنعوا لنا سلاسل وأغلالاً !

 

من هنا كانت أول قضية تحدث عنها القرآن الكريم هي مسألة الطغيان، (كلا إن الإنسان ليطغى)، وعندما تحدث عن قوم موسى وطلبوا من هذا النبي أن يرتاحوا من فرعون خاف أن يخلف فرعوناً فرعونٌ آخر، (عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستضعفكم في الأرض فينظر كيف تعملون)، فكأن مسألة الطغيان والطاغوت والجبت هي ليست بإطاحتهم وقتلهم، بل بعدم إطاعتهم والركون إليهم، وهذا ما أفهمه من القرآن الكريم الذي أرشدنا إلى أن التخلص من الطاغية بشقيها ـ الطاغوت السياسي ـ  والجبت الديني، هي ليست بقتلهما، بل بعدم إطاعتهما، ومن أزال القوة بالقوة إستبدل فرعون بهامان وصدام بمصدوم والقذافي بقذائف، (لا معقِّب لحكمه وهو سريع الحساب)، نعم ما أسهل القتل في عالمنا وما أسهل الإتهامات في حياتنا وما أسهل إنتشار الأمراض والوباء في أمتنا الذي قتلها قتلاً، والقتل سهل، والموتى يبعثهم الله، وهذه الأمراض والآفات هي ليست إسلامية وعربية، بل هي عالمية، وهذا ما رواه الفيلسوف السياسي الألمعي والألماني المخضرم (هانس آيل)عن هامبورغ في الحرب العالمية الثانية، من أن الحلفاء أرادوا أن يجعلوا منها عظة للنازيين بعبارة (همبرة) فقتلوا في أسبوع بالقصف الجوي ثلاثين ألفاً، وهدمت منازل أكثر من 800 ألف من السكان، وعندما حضر مارشال الجو غورنج لتفقد المدينة، لم يزد أن حيَّاه الناس بالدم بالروح نفديك يا أبو الجماجم؟! وصفقوا له!فالرعب أخرس الأفواه وعقل ألسنة الجميع.

 يبدو من خلال التجارب التاريخية أنَّ هذا هو قانون الحياة والتاريخ، قومٌ يتبع فيهم قوم، وأحزابٌ تخلفها أحزاب، وحركاتٌ تلو حركات، وقبضاتٌ مرفوعة ورؤوسٌ موصوفة، وأقدامٌ مرصوصة وجماجم مسحوقة، ولن تجد لها تحويلاً، ولا تبديلاً، "سبحان من يخرج الحي من الميت ذلكم الله فأنَّى تؤفكون".