استعاد الرئيس سعد الحريري زخم علاقاته الخارجية. في جولاته الانتخابية يستحضر صورة رفيق الحريري، منطقه وشعاراته، وهو الذي يصرّ على التأكيد دوماً أنه يتبنى مشاريع والده، ويسعى إلى تحقيق طموحاته. هذا الظلّ الذي يرافق الحريري الابن، يمنحه قوة في المواجهة أو المساومة. وعليه، يرتكز للذهاب إلى عقد اتفاقات وتسويات، وحين يواجه من بعض المحبطين أو مريدي التصعيد، فيجيبهم لو كان رفيق الحريري مكاني ماذا كان فعل في سبيل البلد وحماية استقراره. مشروع سعد الحريري واضح وفق ما يؤكد، تحقيق نهضة إقتصادية في لبنان، تتأسس على تكريس تفاهمات سياسية تنتج استقراراً أمنياً.

يصطحب سعد صورة رفيق في لقاءاته الخارجية. باستعادته علاقته "الممتازة" مع المملكة العربية السعودية، وتحديداً مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بعد غياب التناغم والتوافق. يستعيد الحريري زخم علاقاته الخارجية، التي شكّلت ميزة لدى والده. في الصورتين اللتين نشرهما عن لقاءاته في الساعات الأربع والعشرين الماضية وأرفقهما بعبارة "لا تعليق"، كان الحريري يتعمّد التعليق بصمت ومن خلال الصور، بأنه استعاد دور أبيه، وبأنه يتمتع بحيثية دولية توازي زعامته اللبنانية. هذا ما يصرّ الحريري على انعكاسه لدى الرأي العام، لا سيما أن المرحلة انتخابية بامتياز، وكل هذه اللقاءات تحتاج إلى تسويق لتأكيد مكانة الرجل، وإبعاد التأويلات أو التشكيكات في مستوى علاقاته، ولا سيما مع السعودية.

وكما أبلغ السعوديين مؤخراً بأنه الزعيم الأساسي والحليف الوحيد، وعلى الباقين الالتحاق به، أو المرور عبره إلى المملكة، فهو يؤكد ذلك أيضاً وهذا ما يقصده في عبارة "لا تعليق". ليس تفصيلاً أن يلتقي الحريري بن سلمان في يومين متتاليين، بعد كل المطبات التي اعترضت علاقتهما، والأكيد بحسب المعلومات أن اللقاءين مع بن سلمان، تمحورا حول الوضعين الداخلي والإقليمي. في الشق الداخلي، تشير مصادر متابعة إلى أن الحريري تابع مع بن سلمان نتائج مؤتمر سيدر 1، وما كان قد بحثه بن سلمان مع المسؤولين الأميركيين حول مضاعفة الدعم للبنان، ولا سيما لمؤسساته العسكرية الرسمية، على طريق محاولة حصار حزب الله، او نفي الإدعاء في الحاجة إلى دوره، على أن يرتبط ذلك بالحفاظ الدولي والإقليمي على الاستقرار في لبنان، كي لا يستفيد حزب الله من حالة عدم الاستقرار لتحقيق ما يريده من فرض سطوته وقوته.

وتؤكد المصادر أن الحريري تلقى مزيداً من الوعود من ولي العهد السعودي بشأن دعم المؤسسات اللبنانية، بأكثر من تفعيل القرض المجمد والذي تبلغ قيمته مليار دولار. وهذا ما جرى التركيز عليه في اللقاء الثلاثي الذي جمع الرجلين بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي حرص على إزالة كل الالتباسات التي اعترت علاقة الرجلين منذ استقالة الحريري من الرياض وما سبقها. مقابل الشديد على استمرار التواصل والتنسيق لتثبيت وجهة نظر الحريري اللبنانية المبنية على دعم العهد ومسيرة الحكومة والتسوية السياسية. وفي موازاة التصعيد الإقليمي ضد إيران وحزب الله. وهذا وحده سيكون كفيلاً باستقطاب العهد برمّته إلى الحضن السعودي، لأن عملية الدعم والاحتضان ستكون ناجعة أكثر من المواجهة، وهي السبيل الوحيد الذي سيفرض على المسؤولين اللبنانيين الوقوف في صف من يخدم مصالحهم، وليس في وجه من يخاصمهم أو يصعّد تجاههم.

وفي هذا الإطار، تشير المصادر إلى أن هناك مباحثات لبنانية سعودية توجّت بين بن سلمان والحريري، بشأن إعادة إحياء جزء من الهبة العسكرية للجيش اللبناني التي ألغيت. وتفيد المعلومات بأن البحث يدور حول دعم السعودية للجيش اللبناني بمليار دولار لتعزيز قدراته العسكرية. على أن يرتبط ذلك بوضع برنامج تدريب مع بعض الدول الأجنبية.

أما في شق المباحثات بشأن الوضع الخارجي، فتلفت المصادر إلى أنه جرى إبلاغ الحريري في آخر التطورات الدولية بشأن الوضع في المنطقة، ولا سيما الاستعدادات الأميركية والفرنسية بالتنسيق مع بريطانيا لتوجيه ضربة ضد النظام السوري، على خلفية استخدام السلاح الكيماوي. وتشير المصادر إلى أن الحريري أبلغ بوجوب الحفاظ على الاستقرار في لبنان في المرحلة المقبلة، لأن الضغوط ستشتد وتتكثف، لا سيما أن هناك مساعي لتحجيم نفوذ إيران، وتوجيه ضربات لمواقعها، ويجب عدم منح حزب الله فرصة الإخلال بالأمن اللبناني لتحقيق مصالح إيرانية، أو للتشويش على أي محاولة لإلغاء الإتفاق النووي أو تعديله.