تؤكد تقارير متقاطعة أن جيش الاحتلال الإسرائيلي هو المسؤول عن تنفيذ الضربة الصاروخية التي استهدفت مطار التيفور العسكري، الواقع بين حمص وتدمر في وسط سوريا. وكانت وكالات الأنباء الروسية قد نقلت عن مصادر رسمية في وزارة الدفاع الروسية أن طائرتين إسرائيليتين من طراز «إف ـ 15» قصفت المطار فجر أمس بثمانية صواريخ موجهة، عبر الأجواء اللبنانية.
ومن المعروف أن هذا العدوان الإسرائيلي ليس الأول على المطار ذاته، فقد قصفته إسرائيل في شباط /فبراير الماضي بذريعة أن طائرة مسيرة انطلقت منه واخترقت عمق إسرائيل. كما أن استهداف المطار يندرج ضمن سلسلة طويلة من العمليات الإسرائيلية ضد مواقع عسكرية تابعة للنظام السوري، وضد قوافل تزعم إسرائيل أنها كانت تنقل أسلحة إلى «حزب الله» في لبنان.
ولكن يلفت الانتباه في هذا العدوان الجديد أن جيش الاحتلال الإسرائيلي اختار تنفيذ الضربة دون دخول المجال الجوي السوري، ربما تفادياً لإحراج الرادارات والدفاعات الجوية الروسية المنتشرة في مواقع عديدة داخل سوريا، إذا لم يفترض المرء احتمال أن تكون السلطات الإسرائيلية قد أبلغت موسكو مسبقاً بالضربة، وجرى التوافق على الأجواء التي ستنطلق منها طائرتا الـ»إف ـ 15».
يلفت الانتباه أيضاً أن القوات الروسية سبق أن استخدمت هذا المطار في عملياتها داخل سوريا، ويصعب بالتالي أن تجازف إسرائيل بقصف موقع يُحتمل أن تكون مقاتلات روسية رابضة فيه. وما يعزز الارتياب في أن موسكو لم تتفاجأ بالضربة الإسرائيلية، هو حقيقة أن وزارة الدفاع الروسية هي التي سارعت إلى توجيه الاتهام إلى إسرائيل، في حين أن وسائل إعلام النظام السوري اتهمت الطائرات الأمريكية أولاً قبل أن تستبدل التهمة وتحذو حذو وكالات الأنباء الروسية.
وفي كل حال يثبت هذا العدوان الجديد أن قواعد الاشتباك، التي قيل إنها تغيرت مع إسقاط طائرة إسرائيلية خلال المواجهة الأخيرة بين الطيران الإسرائيلي وجيش النظام السوري، باقية على حالها من حيث عربدة إسرائيل في أجواء سوريا دون رد رادع فعال. وهذه حصيلة تؤكدها حقيقة أن مطار التيفور يؤوي أيضاً وحدات إيرانية متقدمة التسليح، وأن استهدافها قد يكون الغرض الأبرز والوحيد من العملية الإسرائيلية الأخيرة.
كذلك فإن الانطلاق من أجواء لبنان في توجيه الضربة قد يكون رسالة إضافية تبعث بها إسرائيل إلى طهران و«حزب الله» معاً، حول استمرار العمل بقواعد الاشتباك الراهنة تحديداً، ثم التأكيد على أن «الخط الأحمر» الذي ترسمه إسرائيل بصدد أمنها الاستراتيجي، لا يشبه في شيء تلك الخطوط الحمر التي سبق أن رسمها الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما أو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بصدد استخدام الأسلحة الكيميائية.
ويبقى في طليعة المفارقات المأساوية أن يتعرض مطار عسكري سوري إلى مثل هذا العدوان، في وقت يُحتمل فيه أن يكون المطار ذاته قاعدة لانطلاق طائرات النظام السوري الحربية وحواماته لضرب المدن والبلدات والقرى السورية، بما في ذلك قصف المدنيين بغاز السارين والأسلحة المحرمة كافة. ولا جديد تحت الشمس في استباحة سوريا وشعبها: الأسد في دوما، وإسرائيل في التيفور.