فِي تقديرنا أن العودة إلى الاعتدال السياسي، هو الخطوة الضرورية لمعالجة الكثير من المشاكل في المنطقة
 

في مرحلة الاستحقاقات الوطنية عادة من المفترض ان تسود حالة من الاصطفاف الوطني وخصوصاً عندما يتعلق الامر بالانتخابات من اجل تجديد الحياة السياسية إلا في بلادنا للاسف تسود الفتن والاصطفافات الطائفية والمذهبية، وتتضاءل فرص الاعتدال السياسي، وتزداد أشكال التعصب المذهبي والسياسي.
ولعل نظرة واحدة لمنطقة بعلبك الهرمل اليوم، تكشف أن من ضحايا الظروف الراهنة في المنطقة، هو تراجع التنافس الديمقراطي، وبروز كل أشكال التطرّف والتشدد. بحيث يصبح الخطاب المعتدل في موقع الضعف والاهتراء ويصبح التشدد هو عنوان اللحظة الراهنة على كل المستويات.
الشحن المذهبي والخطاب السياسي الذي يخرج عن السياق الطبيعي للتنافس الانتخابي ويسعى للتعمية على القضايا التي تعني المنطقة الامر الذي يضيع الكثير من الفرص والمكاسب، ويزيد من حدة الاصطفافات، والتي تبقى بلا محاولة جدية وواقعية لمعالجة الأمور التي تعني المنطقة.ومن يعتقد أن التشدد هو الخيار المناسب الذي يخدم مرشحين لعودة هيبتهم وهيمنتهم،بدون ان يُخضع التجربة للنقد والتقييم وإستخلاص الدروس والعبر، هو يرتكب خطيئة سياسية وتاريخية بحق المنطقة ومصالحها الحيوية.

إقرأ أيضًا: ماذا بعد إطلاق النار على سيارة الشيخ عباس الجوهري؟
وهذا بطبيعة الحال، يزيد من الاحتقانات والتوترات، ويعلي من شأن كل العصبيات، وكل هذا ينعكس مزيداً من غياب الاعتدال وبروز كل أشكال التشدد والتطرف.
بحيث يصبح الخطاب المعتدل غير مقنع لأحد، وكل طرف بصرف النظر عن طبيعته وجوهره، يبرز جوانب التشدد لديه، وبنظرة واحدة وعميقة في المشهد الانتخابي في المنطقة، نشعر أن الجميع يزداد اشتعالاً وتشدداً، ولعل من مآزق المشهد الانتخابي اليوم، هو بروز كل نزعات التشدد واضمحلال كل أشكال وعقليات الاعتدال السياسي.. ومن يبحث عن الشعبية والتأييد الاجتماعي لأفكاره ومشروعاته، يجد أن لا طريق أمامه للحصول على كل هذا، إلا التشدد والبعد عن الخطاب السياسي العقلاني.
فهناك من بدأ يشعر أن الاعتدال يضيع مشروعه، ويفقده الحضور الاجتماعي المؤيد له، وهذا الكلام ينطبق على كل المناطق الانتخابية بدون فرق جوهري كبير بين كل المناطق والدوائر.
ولا ريب أن بروز التشدد المذهبي والسياسي، ليس هو الطريق الذي يحافظ على المكاسب السياسية، بل إنني أعتقد وبعمق أن التخلي عن الخطاب السياسي الهادئ والمتمسك بمعالجة المشاكل التي تعاني منها المنطقة أما التمسك بالخطاب المتوتر والمتشنج بمعالمه وضروراته، يساهم في انسداد الأفق السياسي على المستوى البعيد.
صحيح أن التشدد في الخطاب ربما قد يزيد من فرص الالتفاف حوله، ولكنه لا يغير معادلات الواقع، ولا يوفر فرص ومناخ، إن التحول الشعبي الذي نشهده في المزاج ما هو إلا صرخة عن حالة الالم الذي تعاني منه المنطقة  إن ظروف الواقع الاجتماعي والاقتصادي المتردي في المنطقة وصل الى مرحلة لم يعد يرضى بالوعود خصوصاً ان الناس أعطت وقدمت وتحملت وكابدت طوال فترة الخمسة والعشرين سنة الماضية.
فالتشدد لا يبني واقعاً للقوة النوعية، وإنما يضيع القوة القائمة، دون أن يتمكن من خلق قوة بديلة.
ومن يعتقد بأن التشدد سيحافظ على مصالحه ومكاسبه، هو يرتكب بحق نفسه وأمته خطيئة تاريخية كبرى.
فالتشدد يضيع المصالح ولا يحافظ عليها، ويفاقم من المشكلات ولا يعالجها، ويزيد من فرص التوترات على كل صعيد ومستوى.
وسيبقى الخيار لاهل المنطقة، هو الاعتدال والعيش المشترك،هذا الخيار الذي يراكم القوة على المستوى الاجتماعي، والسياسي، والاقتصادي، ويعالج كل المشكلات بوسائل سلمية وقادرة على اجتثاثها من الجذور.
ويبدو على هذا الصعيد أن الممارسة السياسية والاجتماعية حينما تستند على الرغبة دون المعطيات والحقائق، هو الذي يؤسس لخيارات التشدد على كل المستويات.
بينما الاعتدال يستند إلى الممارسة التي تستند على المعطيات والحقائق، فالإنسان يتحرك وفق معطياته وحقائق واقعه، لذلك هو يتحرك وفق إمكاناته وقراءته الدقيقة لواقعه وواقع مجتمعه.
أما الذي يتحرك برغباته، فهو يتحرك دون النظر إلى إمكاناته ومدى الاستعداد لدى هذه الامكانات لهذا الخيار أو ذاك.
ومن يتحرك برغباته سيصدم بحقائق واقعه، هذا الاصطدام الذي يزيد من ضعفه النوعي.

إقرأ أيضًا: هل يبقى التنافس الإنتخابي في بعلبك الهرمل تحت السيطرة؟
وعليه فإن ركيزة الاعتدال السياسي الواقعي، هو أن الانسان يتحرك بإمكاناته وليس برغباته.وتعلمنا الحياة أن الحركة بالرغبة تزيد من فرص الأزمات بدل علاجها، وتؤدي إلى الإرباكات على كل الصعد والمستويات.
لذلك يبقى المطلوب لدى القوى أو الجماعات أو الأفراد هو الاعتدال السياسي، الذي ينطلق من إمكاناته، ويعمل حينما ينطلق أن يراكم عناصر القوة لديه دون تبديدها.
وفِي تقديرنا أن العودة إلى الاعتدال السياسي، هو الخطوة الضرورية لمعالجة الكثير من المشاكل في المنطقة. وكل هذا يدفعنا إلى القول أن الالتزام بالاعتدال هو الخيار الأنسب، لمعالجة المشاكل الراهنة، وبناء القوة النوعية للذات. ومن يبحث عن خيار دون ذلك، فإنه سيفاقم من أزمات الذات دون وجود القدرة الفعلية لمعالجة المشاكل والأزمات.
وختام القول: "إننا في بعلبك الهرمل، بحاجة إلى التأكيد على التمسك بعادات وتقاليد المنطقة، تلك العادات والتقاليد التي تعرضت لعملية غزو ثقافي بعيدة كل البعد عن واقع المنطقة واننا في بعلبك الهرمل سنبقى متمسكين بنهج الاعتدال دون التهور وتبني خيار التشدد الذي يفاقم من أزمات المنطقة، وإنه مهما كانت الصعوبات، سيبقى الخيار الذي لا بديل عنه، هو خيار الاعتدال.