"إذا أردت أن تحافظ على مبنىً، استخدمه"  

القاعدة الأولى التي تعلّمتها في أولى سنواتي في دراسة العمارة. بينما كنا، نحن، إذا أردنا الحفاظ على أشيائنا، تحفنا، أغراضنا، نخبّئها بعيداً من متناول اليد، والعين أحياناً. تقول القاعدة هنا، إن استخدام الأشياء يستنزف قيمتها، والاستهلاك يميتها، يميت حتى تلك التي لا تموت.

عندما كتبت أولى مقالاتي، خاصة عن سندريلا وجميلة والوحش، تلقّيت ردوداً وتشجيعاً أن أبقى out of the box ، العبارة الشهيرة التي تعني التفكير الجديد، غير النمطي، غير المألوف.

كنتُ فتاةً ذات مظهرٍ كلاسيكي، وكتابات غير نمطية! صدّقتُ ذلك وفرحتُ به، وأخيراً خرجت من الصندوق.

ما هو ذاك الصندوق المزعوم؟ وإن كنت، عن غير قصد، فكّرت خارجه، أين أكون إذاً؟

نحن، لا يمكننا العيش دون حدود، دون صناديق، وليس ذلك عيباً ولا مهانة. ولكن كلما كان الصندوق أوسع، ذا مساحة أكبر، كلما اكتسبنا فرصة السباحة فيه دون الارتطام سريعا بأضلاعه، ما يخيّل إلينا أننا نسبح في فضاء حرّ تماماً، لا يحدّه ضلع. هذا الوهم هو بحدّ ذاته صندوق، سنخرج منه إلى صندوق آخر، صندوق يليه صندوق يليه صندوق.. الصندقة، لا مفرّ منها!ولا ضير في ذلك.

يمكن لإنسان واحد أن يعيش في صناديق لامتناهية، صناديق متداخلة تراتبية، يعيش فيها جميعها في آنٍ معاً، أو أن تكون الصناديق منفصلة متباعدة، يتنقّل بينها الفرد متى شاء، أو حسب ظروفه، أو مراحل حياته.

لا ضير في الصناديق، لا ضيرفي الحالتين معاً، لكن افتح نوافذ في صندوقك، مهما كان واسعاً، النوافذ لم تكن يوماً، معمارياً وفلسفياً، للتهوئة والإنارة فقط، بل هي وسيلة تواصل واتصال مع كل ما يتعدى حدود صندوقك الخاص، مع عالم خارجي مليء بالصناديق.الاتصال يغني صندوقك بالتجارب، وتجربة صندوقين أفضل من تجربة صندوق واحد.

فكرة أخرى، لا تجعل صندوقك من الخرسانة المسلّحة، مبدأ العلاقة النسبية بين الحماية وسماكة الأسوار المعتمدة في القلاع، لا ينفع هنا! اجعله ليّنا، مرناً، أو حتى مطاطياً، واعتمد مبدأ العزل في الجدران لا الانعزال.

كن دائماً على يقين أنّ الصندوق لا يُكسر، أو لنقل ـ في حال تمّ الأخذ بالنصيحة الأخيرة ـ لا تُمزّق جدرانه، إنما تخرج منه بعد أن يُغلق بابه، ويُطفأ نوره، على مهل.

الصندقة لا مفرّ منها، ولا ضير في ذلك.

 وسّع صندوقك، لوّنه، خفّف وزن أضلاعه، افتح نوافذ فيه، وإذا أردت أن تحافظ على مبنى/ صندوق، استخدمه.

(نسب زكريا )