في ظل حكم الميليشيات والعصابات التي تتسلح بسيوف الله، وتتدثر بعباءة نبيه، وتتشح بألوية آل بيته وصحبه، لا يبقى أي أمل للشعب السوري في خلاص ممكن وقريب
 

لا الله بحاجة لنشر دينه بجيوش لا تجيد غير العنف والقسوة والهمجية، ولا هو بحاجة إلى تكليف شلل من الجهلة والأميين الذين لا يقرأون، وإن قرأوا لا يفهمون، بالدفاع عنه وعن نبيّه وآله، فيتجبرون، باسمه، ويفترون.

وحتى قادتهم وأئمتهم وعلماؤهم، على شاشات فضائياتهم وفي مساجدهم وحسينياتهم يعظون سامعيهم بآيات من القرآن يُخطئون في قراءتها ولفظها. وحين يُخطئون بقراءتها يشوّهون معانيها. وحين يشوّهون معانيها يُضلّون تابعيهم يزيدونهم جهالة على جهالة.

لا يأخذون من كتاب الله إلا ما يُرضي أهواءهم ويُشرْعن أعمالهم التي اتفق علماءُ التحليل النفسي على اعتبارها ردودا مَرَضية ينتقمون بها من مجتمعٍ حَكمَ بقصور عقولهم، وضيق صدورهم، وسوء سلوكهم، وعَدَّهم حمقى ومنحرفين عن سواء السبيل.

فليس من الدين الكراهية والحقد والتعصّب الأعمى لأي رأي وعقيدة، ولا إطالة اللحى، ولا كيِّ الجباه لتبدو من أثر السجود، ولا نشر الخرافة، ولا تأليه الموتى، ولا عبادة القبور.

ولا يُحزن الإنسان العاقل العادل المسالم إلا أن يرى هؤلاء المتطفلين على الشرع والفقه وأصول الدين يتجمّعون في عصاباتٍ وجيوش وميليشيات يطلقون عليها أسماء الله ثم يُحرّقون خصومهم وهم أحياء، بغير حق، ويخطفون، ويغدرون، ويكذبون، ويقطعون الرؤوس بالفؤوس، ويغتصبون الحرائر المسلمات والمسيحيات، ويسرقون المنازل والمصارف والمؤسسات.

والأكثر مرارة أن تجد منهم من يسمّي نفسه آية الله، وحجة الله، وولي الله. أما أسماءُ فَيالقِهم وكتائبهم وأحزابهم السنية والشيعية، معا، فأكثرُ مرارة.

فيلق الرحمن، لواء جيش الإسلام، جبهة أنصار الإسلام، ألوية الفرقان، جيش خالد بن الوليد، جيش المهدي، كتائب حزب الله، جيش المختار، عصائب أهل الحق، لواء أبي فضل العباس، بدر، زينبيون، علي، الحسين، فاطمة، العباس، سيد الشهداء، المعصوم، الكـرار، قمر بني هاشم، وغيرُها وغيرُها كثير.

مناسبة هذه المقالة ما أذيع عن طرد جيش الإسلام من الغوطة الشرقية، وهيمنة نظام بشار الأسد المحتمي بالقوات الروسية والميليشيات الإيرانية عليها.

صحيح أن بشار الأسد، ووالده من قبله، وإخوته وشبيحته وباقي الشلة المتسلطة على الشعب السوري بالهمجية وبالاستقواء بالأجنبي لا يوضعون، جميعَهم، إلا في قائمة الذئاب البشرية المتعطشة للدم، والتي أصبح وجودُها ليس عارا على سوريا وحدها، ولا على الأمة العربية وحسب، بل عارا على روسيا وإيران والصين وأميركا وأوروبا والبشرية كلها، ولكن الذين قاتلوه وحاولوا إسقاطه وخلافته في السلطة، لا يقلّون عنه وعن إخوته وأقاربه وشبيحته دمويةً وهمجية وتخلفا وخيانة.

ومن تجاربنا العراقية المرة تعلمْنا أن بقاء نظام دكتاتوري فاسد، ولكنه منهك ومكروه ومحاصر بشعبه في الداخل، وبأعدائه وخصومه الكثيرين في الخارج، أفضل من أن ترثه عصابات الخطف والقتل والاغتيال والاختلاس وتهريب المفخخات والمخدرات، والغارقون إلى آذانهم في العمالة لهذه الدولة وتلك، ولهذه المخابرات وتلك.

فلم يتركوا لنا ما يمكن أن يجعلنا نصدق بأنهم مناضلون وطنيون يقاتلون من أجل وجود شعبهم وحريته وكرامته وأمنه، وليس من أجل غير ذلك.

تعالوا نتخيّل ما يحدث لو انتصرت جيوش الإسلام والنصرة والقاعدة وداعش على جيوش الأسد، وتسلمت السلطة. فمن أكيد الأكيد أن نجد نوري مالكي حلبيا، وهادي عامري حمويا، وعمار حكيم شاميا، وإياد علاوي حمصيا، وأسامة نجيفي درعويا، ثم يباشرون الحوار بين أحزابهم وميليشياتهم وعصاباتهم بالمفخخات والمقالب والمؤامرات، وتنطلق مسيرة الاختلاسات، وتتسلط عصابة هنا وعصابة هناك على هذه المدينة وعلى ذلك الحي، كما يجري من سنين عديدة في ليبيا والعراق واليمن ولبنان، وتحرم، حتى أبناءَ طائفتها ومدينتها قبل خصومها، من نعمة الأمن والأمان، وتُفلس الخزينة، وتزدهر تجارة الأسلحة والمخدرات، وتسطو على أرزاق الناس وأعراضهم، ثم يغيب طويلا جدا أيُّ أمل في قيام دولة قانون وكرامة وإنسانية، في يوم من الأيام.

إن هذه المقالة لا تدافع عن بشار، ولا تبرّئ روسيا وإيران وحزب الله اللبناني وميليشيات العراقيين من الجرائم التي فاقت في حيوانيتها وأدوارها الشريرة في سوريا كلَّ الحدود الممكن احتمالها ونسيانها. أبدا. ولكن ليس من العقل ولا الحكمة أن نُفاضل بين سيء وأسوأ.

فإبطال مفعول الجيوش الإسلامية والإبقاءُ على الدولة، حتى وإن كان على رأسها واحد مجرم وشرير كبشار، أفضل، لأن الأمل سيبقى حاضرا في أحلام الشعب السوري أن تتغيّر مصالح الدول الكبرى ومواقفها، وتتفق إراداتها على صفقة مقايضة في سوريا، فتسحب روسيا تأييدها وحمايتها لنظام فاشل وفاسد ومكروه من شعبه وجيرانه، وتأمر بترحيله، وتُنصّب غيره، شاء نظام الولي الفقيه أم لم يشأ.

شيءٌ آخر مهم. إن بشار الأسد لا يدّعي القداسة الدينية والطائفية، ولا يحارب شعبه باسم الله ورسوله ودفاعا عن الإسلام. وهذا ما يجعل إسقاطه ممكنا وقريبا إذا توفرت الظروف. ولكنْ في ظل حكم الميليشيات والعصابات التي تتسلح بسيوف الله، وتتدثر بعباءة نبيه، وتتشح بألوية آل بيته وصحبه، لا يبقى أيّ أمل للشعب السوري في خلاص ممكن وقريب.

ولو بقي نظام صدام حسين، برغم سوئه، وبرغم كل ما عارضناه من أجله، لظل لشعبنا أملٌ في تغييره من داخله، أو بالجيش، ذات يوم، دون غزو خارجي ولا احتلال. أو لعل ضغوط العالم المتصاعدة الخانقة عليه وعلى نظامه، ونصائح الأصدقاء والمحبين، تجعله يفيق في النهاية وهو مدركٌ لحقيقة أن بقاءه، على غير رضا شعبه وجيـرانه والعالم، أصبح مـن رابع المستحيلات، فيترجّل، ويغادر القصر الجمهوري بسلام، وتبقى الدولة، بعد رحيله، قائمة، ويبقى الجيش حاميا لحدودها، والشرطة حافظةً لأمن شعبها، ثم تأتي حكومة إنقاذ وطني مؤقتة تشرف على انتخابات نزيهة يفوز فيها من يختاره الناخبون بحرية، دون تلاعب ولا تزوير، وبلا ميليشيات وفتاوى، وبلا وصاية من هذه السفارة أو تلك، كما يجري هذه الأيام.

لا تحزنوا لأن جيش النظام قد عاد إلى الغوطة، ولأن جيش الإسلام قد خرج منها. فعسى أن تحبّوا شيئا وهو شرٌ لكم، وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، أيها السوريون المنكوبون، مثلنا، بنظام سيء، ومعارضين إن لم يكونوا أسوأ منه فهم ليسوا أرحم منه عليكم، أيها الأشقاء.