الحشد السياسي والجماهيري الذي شارك في احتفال تدشين جادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في الواجهة البحرية الجديدة لبيروت, أضفى على هذه المناسبة أبعاداً وطنية وقومية, تجاوزت جغرافياً وتاريخياً الحدود التقليدية العادية لمثل هذه المناسبات.
الملك سلمان كان حاضراً, ليس باسمه ولقبه المحبّب: خادم الحرمين الشريفين وحسب, بل شارك بفكره العروبي, وحبّه للبنان, وشغفه المعروف ببيروت, من خلال الكلمات التي ألقيت في الاحتفال, واستشهد أصحابها بمواقف وذكريات العاهل السعودي في لبنان, وعلاقاته المميزة مع الفاعليات السياسية والثقافية والفكرية والإعلامية, وحرصه الدائم على أمن وازدهار بلد الأرز, والحفاظ على صيغته الفريدة في هذا الشرق.
وجود الأكثرية الساحقة من القيادات السياسية في الاحتفال, إلى جانب المرجعيات الدينية من معظم الطوائف, والوفود الشعبية من بيروت ومختلف المناطق اللبنانية, أكد مرّة أخرى حجم الرصيد الذي تتمتع به المملكة لدى اللبنانيين, على اختلاف طوائفهم وأحزابهم السياسية, كما أثبت بشكل واضح حرص السعودية أن تكون على علاقات أخوية صحية مع كل الأطراف اللبنانية, وعلى مسافة واحدة من الجميع, من دون أي تمييز طائفي أو سياسي أو حتى مناطقي.
قد لا تكون هذه المرّة الأولى التي يُطلق فيها اسم زعيم عربي على أحد شوارع العاصمة, ولكن بيروت أرادت بإطلاق اسم الملك سلمان على أهم شوارعها الجديدة أن تؤكد تمسكها بهويتها العربية, وتُذكّر بالانتماء العربي للبنان, وفقاً لما نصّ عليه الدستور واتفاق الطائف, ودحض كل الأضاليل التي تُروَّج خلاف ذلك.
ولا شك أن مبادرة بلدية بيروت حملت, في الوقت نفسه, الكثير من معاني الشكر والتقدير والعرفان بالجميل, للشقيقة الكبرى التي طالما وقفت إلى جانب لبنان في الحروب والأزمات والملمات, وبادرت أكثر من مرّة إلى لملمة الجراح, حيث ساهمت في إعادة إعمار ما دمرته الحرب العبثية, كما كانت السبّاقة في إزالة آثار عدوان تموز ٢٠٠٦, الذي دمّر عشرات القرى الجنوبية, والعديد من مرافق البنية التحتية, وتركزت المساعدات السعودية يومذاك على ترميم وإعادة بناء بيوت ٢٢٣ قرية في الجنوب اللبناني, من أصل ٢٣٦ قرية تضررت في القصف الإسرائيلي الوحشي.
الواقع أن مسار العلاقات التاريخية التي تربط بين لبنان والمملكة العربية السعودية, يعتبر نموذجاً للعلاقات الأخوية بين بلدين شقيقين, لأنها تقوم على الاحترام المتبادل وعدم التدخل بالشؤون الداخلية, فضلاً عن مراعاة المصالح المشتركة بين الشعبين اللبناني والسعودي.
إن حضور المستشار في الديوان الملكي السفير نزار العلولا, خصيصاً للمشاركة في هذه المناسبة, إلى جانب الوزير المفوّض وليد البخاري, يُعتبر رسالة سعودية قوية, لمن يعنيهم الأمر, تؤكد على الأهمية التي توليها السعودية للعلاقات الأخوية مع لبنان, والحفاظ على الهوية العربية لبلد الأرز, ويؤشر إلى بداية العودة السعودية, ويكشف زيف الترويجات المغرضة بأن المملكة تخلّت عن الشقيق الأصغر.
أمس تم إطلاق اسم الملك سلمان على إنجاز مهم من مرافق العاصمة.
انتظروا غداً تدشين العمل بأهم مشروع تشهده بيروت ويحمل اسم الملك سلمان بن عبد العزيز, حفظه الله وأطال بعمره.
وإن غداً لناظره قريب!