ليس من الحكمة بناءُ كثير من الأحلام على حصيلة مؤتمر «سيدر 1». فعلى رغم النية بدعمٍ مُستدام للبنان، هناك شروطٌ على هذا اللبنان تلبيتُها قبل التمويل. فإلى الخصخصة والشراكة بين القطاعين العام والخاص، عليه تخفيضُ حجم الدين العام والفساد وفق خريطة طريق الى رؤية واضحة. ولذلك فهل يبرّر العالمُ للبنان الفشل ويعطيه العالمُ مهلةً إضافية؟ وما هو المنتظَر؟
 

تتّجه الأنظار الى باريس في 5 و 6 نيسان الجاري لترقب اعمال مؤتمر «سيدر 1» وسط الإستعدادات الجارية على كل المستويات المالية والإقتصادية تحضيراً لما سيطرح من مشاريع استثمارية وأخرى تحت شعارات مختلفة أهمّها السعي الى النهوض الإقتصادي ومواجهة انهيار البُنى التحتية تحت وطأة تأثيرات النزوح السوري على المجتمعات المضيفة ومعاونة لبنان على مواجهة كلفته في القطاعات المختلفة.

وفي أذهان اللبنانيين أنّ المؤتمر سيكون عنواناً لزيادة حجم الدين العام ولمزيد من مشاريع القروض، سواءٌ من الحكومات أو المؤسسات والهيئات المانحة فيما التحضيرات الجارية تنحو الى جوانب أخرى لا تعطي التوجّه الى القروض الجديدة أولوية في ظلّ استعدادات لبنان لطرح بعض المشاريع الإستراتيجية الكبرى التي تحتاج الى إشراك القطاع الخاص في بناء بعض القطاعات الإنتاجية والخدماتية وإدارتها، وبنسبة اقل على المشاركة مع القطاع العام في إدارة بعضها، قبل الإعتماد على القروض الجديدة.

فورقة لبنان الى المؤتمر لم تحدّد أرقاماً مسبقة لمشاريع محدّدة بالإسم والهدف، بمقدار ما قدّمت خريطة طريق لستّ سنوات في المرحلة الأولى تمتدّ الى العام 2022 بكلفة تقارب العشرة مليارات دولار وهي تتحدث بغالبيتها عن مشاريع يمكن أن يساهم فيها القطاع الخاص أو يديرها بمعزل عن منطق الشراكة مع القطاع العام. قبل الإنتقال الى مرحلة جديدة تمتدّ الى العام 2030 بكلفة تزيد على 20 مليار دولار وهي تتصل باستكمال بناء المشاريع العملاقة الإنمائية والإجتماعيبة والخدماتية كالكهرباء والماء والنقل والنفايات عدا عن الصحة والتربية والثقافة.

وعليه، تتوجّه الحكومة الى باريس الجمعة المقبل وفي يدها شيء ممّا وَعَدت به المجتمع الدولي، وان كان ناقصاً وغيرَ كاف. فهي أقرّت قبل فترة سبقت دخول البلاد مدار الإنتخابات النيابية، موازنة العام 2017 بعد 12 عاماً من غيابها استنزفت خلالها الخزينة العامة بالإعتماد على الصفقات بالتراضي والقاعدة الإثني عشرية فأنفقت أموالاً لم تُحصَ بعد بكاملها، بدليل أنّ أحد عشر مليار دولار ما زالت مفقودة القيود، ولم يتمكّن أحد بعد من تحديد طريقة صرفها، على رغم أنّ المعنيين يدركون ذلك في غياب الموازنة السنوية وعدم إجراء قطع الحساب الى اليوم على رغم كل التعهّدات الرسمية والوعود التي قطعت والمهل التي حُدِّدت قبل البتّ بموازنة العام 2017 وبعدها.

وفي الأيام القليلة الماضية حاولت الحكومة أن تهدي المجتمع الدولي الذي واجهته منتصف الشهر الماضي في مؤتمر «روما 2» الخاص بدعم الجيش اللبناني، والتي تستعدّ لمواجهته في باريس نهاية الأسبوع الجاري بموازنة العام 2018 التي جرى البتّ بها الخميس الماضي في ظروف ملتبسة بعدما قيل فيها إنها جاءت مسلوقة ومشوَّهة في أكثر من وجه من وجوهها المالية والقانونية والدستورية، ومن دون أيّ خريطة طريق تدلّ على وجود استراتيجية واضحة للمرحلة المقبلة ومن دون التوصّل الى قطع الحساب المنتظر.

أضف الى ذلك، يقول الخبراء الماليون الذين تعاطوا بمشروع الموازنة الجديدة بمختلف المراحل التي قطعها منذ أن وضعته وزارة المال للبتّ به في الحكومة ومن ثم في المجلس النيابي، إنّ السلطة لم تنجح في تأدية أحد أبرز الأهداف التي وعد بها رئيس الحكومة وتحديداً عندما طلب تخفيضاً شاملاً على أرقامها بـ20% فإذا بها تنتهي الى خفض فعلي لم يتجاوز فعلياً الـ6%.

وعليه، فإنّ على الحكومة أن تكون جريئة في مواجهة المجتمع الدولي نهاية الأسبوع الجاري، فلا تحاول أن تخفي فشلها في توفير ما طلبه منها ولو بجزء يسير منه. فالدعم السياسي المنتظر من الرئيس الفرنسي ومجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان والاتّحاد الأوروبي والجامعة العربية ومعهم الهيئات المانحة كفيل بتغطية هذا الفشل وتبريره.

فهم يدركون أنّ لبنان ليس دولة مفلسة وما زال ملتزماً بما يتعهّد به في أكثر من مجال، وأنّ الإصلاح المنتظر في لبنان ما زال شعاراً وهو صعب. وأنّ تقليص كلفة خدمة الدين العام الذي تجاوز نسبة بالغة الخطورة من دخله القومي ليس مسألة بسيطة وسهلة. وأنّ البلد الذي استنزفته الخلافات السياسية يعاني من موجة فساد وضعته في المراتب المتقدّمة بين الدول الفاسدة.

ولذلك كلّه، يقول هؤلاء الخبراء، إنّ على لبنان أن يتواضع ويصارح هذا المجتمع بأنّ لديه النّية الصادقة في مواجهة هذه الإستحقاقات في المرحلة المقبلة شرط أن يُقنع المجتمعين بالتزام ما سيتعهّد بها. فالعالم ينتظر عبور استحقاق الإنتخابات النيابية وهو يأمل في أن يمرّ في أفضل الظروف السياسية والأمنية للإتيان بحكومة اعتبر العهد مسبَقاً انها ستكون «حكومته الأولى». وهو الى جانب ما سيقرّره من دعم سيشكّل فريقاً يراقب عن كثب ما سيقدِم عليه اللبنانيون بجدّية غير مسبوقة.

ولذلك فهو سيعطي لبنان مهلة إضافية لتحقيق ما وعد به قبل البتّ بأيّ أموال أو هبات بالمليارات التي يأملها اللبنانيون. وعليه سيكون الرهان، على وجود قرار دولي بتفهّم الوضع اللبناني في ظلّ وجود مئات الآلاف من النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين على أرضه وبما يواجهه من استحقاقات كبرى في منطقة تغلي بمختلف المشاريع والخطط التي يمكن أن تؤدّي الى حرب جديدة.

وهو سيرهن أيَّ مشاريع بهبات وقروض مالية جديدة بما يمكن أن تقرّرَه حكومات الدول والمجالس التنفيذية للمؤسسات والهيئات المانحة وهو ما يدعو الى التريّث لعام ونصف عام على الأقل لتعبر المساعدات والقروض كل هذه الآليات الروتينية قبل أن تصل المليارات المنتظرة الى لبنان، ولن يحول دون هذه الآلية سوى أن تتحقّق المعجزة وتستعيد سوريا هدوءَها وأمنها وسلامها في مناطق واسعة منها، فما الذي يمكن أن تلقاه المشاريع التي احتُسبت على أساس وجود النازحين السوريين في لبنان؟ وهو سؤال وجيه يستحق مقالاً آخر.