ترددت معلومات انّ «حزب الله» يتجه في أول حكومة بعد الانتخابات إلى تعزيز مشاركته الحكومية من خلال المطالبة بحقيبة سيادية، فهل هو في هذا الوارد، وما الموانع أمام خطوة من هذا النوع؟

إتخذ «حزب الله» قرار المشاركة في الحكومة بعد الخروج السوري من لبنان في العام 2005 من أجل ان يكون شريكاً في السلطة التنفيذية ويضمن عدم اتخاذ قرارات ضده، وبالتالي كانت أولويته ان يكون جزءاً من القرار الرسمي اللبناني من دون المطالبة بحقيبة سيادية ولا أساسية ولا خدماتية، فكان يقبل بكل ما يعرض عليه أكان وزارة دولة او شباب ورياضة، لأنّ همه الأساس ان يكون شريكاً على طاولة مجلس الوزراء.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل ما تسرّب عن نيّات «حزب الله» تطوير مشاركته الحكومية والمطالبة بحقائب سيادية كان دقيقاً؟ وما الأسباب التي تدفعه إلى توجّه من هذا النوع؟ وهل الإشارة الأولى في هذا الاتجاه كانت في البرنامج الانتخابي الذي دلّ بحد ذاته إلى وجود توجّه جديد لدى الحزب؟

الحقائب السيادية محصورة عملياً بأربع: خارجية وداخلية ودفاع ومالية، وتخضع للتوازن بين المسيحيين والمسلمين، ما يعني انّ الطائفة الشيعية لها الحق بحقيبة واحدة، وجرت العادة ان تكون من حصة الرئيس نبيه بري، ولا يبدو انّ الحزب في وارد مراجعة هذا «العرف»، بل أثبتت التحالفات الانتخابية بين «حزب الله» و«أمل»، كما وقوف الحزب الى جانب بري ضد الوزير جبران باسيل، بأنه حريص على أفضل العلاقات مع رئيس مجلس النواب الى درجة تَبديته على نفسه.

ولكن حتى لو سلّمنا جدلاً بأنّ الرئيس بري قرر ان يتنازل للحزب عن حقيبته السيادية، فإنّ الأخير لا يستطيع الحصول سوى على حقيبة المالية، لأنّ تولّيه للوزارات الأمنية غير ممكن لسببين: السبب الأول داخلي ويتصل بسقوط حدود الفصل بين السلاح الشرعي والسلاح غير الشرعي، الأمر الذي يستحيل تمريره، والسبب الثاني خارجي ويرتبط بتعليق كل المساعدات الغربية والعربية للجيش والقوى الأمنية اللبنانية، لا سيما انّ بعض الدول تعبّر أساساً عن مخاوفها من ان يضع الحزب يده في ظروف معينة على المساعدات العسكرية، فكيف بالحري في حال تسلّم الحزب مباشرة زمام الوزارات الأمنية؟

وما يجدر قوله انّ «حزب الله» يتجنّب أساساً خطوات من هذا النوع، والدليل مُناشدته للمجتمع الدولي منح حكومة الرئيس نجيب ميقاتي فرصة وعدم الحكم عليها من منطلق انها حكومة الحزب، فضلاً عن انه لا يخشى ايّ صدام بين المؤسسات العسكرية والأمنية وبين الحزب، الأمر غير المطروح أساساً. وبالتالي، لماذا الإقدام على خطوة تعيد إحياء صراع وتسعيره على أكثر من جبهة، فيما هو ليس بهذا الوارد؟

وما ينطبق على وزارتي الداخلية والدفاع ينسحب على وزارة الخارجية التي يدرك «حزب الله» سلفاً وأساساً انه لا يمكنه تسلّمها في ظل تصنيفه من أكثر من دولة غربية وعربية منظمة إرهابية، وبالتالي استلامه للخارجية يعني تلقائياً عزل لبنان عن العالمين العربي والغربي، وبالتالي لن يكون في هذا الوارد.

وتبقى وزارة المالية التي طرحت في الأوساط الإعلامية كمخرج في حال تعذّر تأليف الحكومة بسبب تمسّك الرئيس بري بالمالية ورفض الرئيس ميشال عون وخلفه باسيل إسنادها لبري، وبالتالي يكون الحزب كحل وسط، ولكن لا بد في هذا المجال من تسجيل الملاحظات الآتية:

أولاً، تشكّل المداورة في الوزارات المخرج الوحيد للجميع في حال الإصرار على عدم إسناد المالية لبري، ولكن هل الرئيس سعد الحريري واستطراداً الوزير نهاد المشنوق بوارد التخلّي عن وزارة الداخلية والتي آلت إلى «المستقبل» تحت عنوان مواجهة التطرف؟

وهل الوزير جبران باسيل بوارد التخلّي عن وزارة الخارجية التي لمس أهميتها المثلثة: توثيق العلاقة الشخصية مع عواصم القرار، إيصال وجهة نظره الشخصية للدول الخارجية، محاولة الإمساك بالجسم الاغترابي؟ فالمداورة إمّا تكون شاملة او لا تكون.

ثانياً، إسناد وزارة المالية إلى «حزب الله» كتسوية بين عون- باسيل وبري تعني خسارة الأخير، ولو كان المقصود استمرارها في يد الشيعة تحت عناوين خلافية مختلفة، وبالتالي لا الحزب سيقبل ولا رئيس المجلس بطبيعة الحال، لأنّ المشكلة التي أثيرت عونيّاً كانت بوجه بري قبل أي شيء آخر. وبالتالي، ستصوّر خطوة من هذا النوع بمثابة انتصار لفريق على آخر، الأمر الذي لا يمكن تمريره.

ثالثاً، بَرهن وزير المالية علي حسن خليل عن جدارة ومهارة في أدائه وممارسته، وفي حال تمّ استثناء اللغط الذي أثير حول ضرورة توقيع وزير المالية كتوقيع إجرائي لا ميثاقي، فإنّ الوزير خليل نجح في مهمته في وزارة المالية.

رابعاً، لا يبدو انّ اي فريق سياسي في وارد الوقوف مع عون ضد بري حتى الحريري نفسه.

خامساً، يستطيع الرئيس بري ان يؤخّر تشكيل الحكومة على غرار ما كان يفعله باسيل نفسه، فيما المتضرّر الأكبر من عدم التشكيل هو عون لا بري.
فلكلّ ما تقدّم من أسباب لن يكون «حزب الله» ممراً لإضعاف الرئيس بري عن طريق طرح مخارج تُحرجه ولا تنصفه.

وبالتالي، في حال لم تكن المداورة شاملة وكاملة ستبقى وزارة المالية مع الرئيس بري وتحديداً الوزير خليل، ولذلك لن تؤول أي وزارة سيادية للحزب، وكل ما أثير يبقى في إطار التحليل، فيما الوقائع مختلفة تماماً، ولكن ماذا عن الوزارات الخدماتية؟