على كل الحريصين أن يدفعوا باتجاه أن تكون الإنتخابات عرساً ديمقراطياً وأن يسعوا الى التخفيف من حدة التشنج والشحن والتوتير وإستخدام الخطاب العقلاني
 

مع بداية دخول الإستحقاق الإنتخابي حيز التنفيذ ومع إقفال موعد التسجيل النهائي للوائح، تبيّن بشكل في منتهى الوضوح أن التنافس بات على أشده بين اللائحة المدعومة من الثنائية الجنوبية تحت شعار لائحة الأمل والوفاء بعنوان الحملة الإنتخابية (نحمي ونبني) وباقي اللوائح الأخرى وبشكل خاص لائحة الإنماء والكرامة، وعلى ما يبدو أن الأجواء الإنتخابية تتماهى مع اتجاه للخشونة الخطابية ظهر في الساعات الأولى لفتح باب الترشيحات وقبل البدء بتشكيل اللوائح، فإن اشتداد حدة الخطاب السياسي الذي دشنه السيد (نصرالله )باتهام المرشحون بأنهم دواعش وتارة أخرى بأنهم مرشحو سفارات، هذه الاتهامات التي تهدف الى الاستقطاب أصبح كفيل لوحده بتأجيج الحماوة، فهل يبقى إطارها "تحت السيطرة"، أم تذهب أبعد من المتوقع؟
نفهم أن الإنتخابات هي شكل من أشكال العمل الديمقراطي، الهدف منها السعي للحصول على الثقة الشعبية، وبالتالي المفترض أن تكون سيناريوهات المنافسة تتحلى باحترام حق الآخر بالإختلاف وباحترام المعايير الأخلاقية كشرط أساسي من شروط التنافس السياسي، وهنا يبرز السؤال التالي هل تسير الأمور في هذا المنحى أم أنها تسير بعكس ما هو مفترض؟ 

إقرأ أيضًا: المواطنون ليسوا حطبًا
إذاً، كل هذه الأسئلة المتخيّلة نحيت تماماً من السباق الإنتخابي عشية تدشين مدة الأربعين يوماً الفاصلة بين تسجيل اللوائح، وانسحاب البعض من السباق، وبين فتح الصناديق للإقتراع.
من الواضح تماماً أن الأمور تنحى باتجاه المزيد من التصعيد والدليل على ذلك إصرار الأمين العام للحزب تأكيده على القيام بزيارة قرى المنطقة وبالطبع زيارته مرحب فيها بأي وقت ولكن ألا يوجد معنى آخر لهذه الزيارة وبهذا التوقيت بالتحديد؟ نعم هناك نية واضحة بهدف رفع نسبة الاستنهاض الجماهيري لمصلحة اللائحة المدعومة من قبل الثنائي الجنوبي وللمرّة الثانية، بأقل من أسبوعين، يكرّر السيد الحديث عن مجازفته بحياته ليقصد القرى البعلبكية، مرة في خطابه، وأخرى منذ مدة قريبة عبر الاجتماعات بالكوادر وفعاليات الحزب، وهذا ما يصفه بعض المحللين بالإرباك الذي يحيط الحزب بعدما سلّم بأن القانون النسبي يصبّ لصالحه لكن جاءت نتيجة التوقعات عكسية، يأخذ الحزب المعركة الانتخابية على محمل الجدّ، إذ لم تعد الرسائل اليوم للأميركيين، والسعوديين، وخصوم وحلفاء الداخل، بل صُوّبت نحو قواعده، بعدما شدّ الحزب لإقرار قانون النسبية باعتباره يضعف تياري المستقبل والوطني الحرّ، ويفتت التكتلات الكبرى، من دون الأخذ بالحسبان خروق قواعده الناخبة. هذه القواعد التي ملّت الشعارات ولم تعد الشهادة تجدي نفعاً مقابل شيك بأرقام رمزية، وأصبح لديهم متطلبات ومعنيين بالشؤون الحياتية، والبحث عن فرص العمل في دول الخليج وغيرها، أضف إلى الإهتمام بأولوياتهم قبل أي شيئ آخر. هذه المعادلة اليوم باتت تهدّد رهان الحزب الذي كان يعتمد على تأمين ممثليه في البرلمان من دون منّة من أحد، وهي ورقة لتحصين نفسه في الداخل تنعكس على الخارج، عبر تمكينه من رفض اسم رئيس جمهورية، ووضع فيتو على اقتراح قانون لا يناسبه. دخل هذا الرهان اليوم دائرة الخطر، إذ إنّ رسم تسوية جديدة لتنفيذ متطلباته أصبحت أقرب إلى الواقع مع احتمال خرقه بعدد من المقاعد في دائرة بعلبك الهرمل. وما يؤكد هذا التخوّف القناعة التي توصّل إليها السيد من خلال تطرّقه في الحديث عن المؤسسات الاقتصادية، والتي تفرض حصاراً خارجياً عليه، أنها الدرع الحقيقي لتحصينه، ويسعى إلى المشاركة فيها حفاظاً على عدم انهيارها، كما هو معتقد الغرب، وفقاً لآراء بعض المحللين .

إقرأ أيضًا: لا حل طائفي لمشكلة البلد!
هذا الخرق إذا تخطى حساباته، فقد يحرمه من حصوله وحلفائه على "الثلث المعطل" في المجلس النيابي الذي يضعه هدفا مبدئيا له في الانتخابات، ومن الأسباب الأخرى أن الواقع الاقتصادي الذي يعيشه الناس أصبح هماً طاغياً لدى بيئته وبالتحديد في منطقة بعلبك الهرمل التي شكلت على مدى ربع قرن ولم تتأخر يوماً عن تقديم أبنائها في سياق دعم مشروع الحزب لكن هذا الأمر لم يعد يتقدم على الواقع الحياتي المر والصعب.
و في رأي بعض المراقبين، في أن يكون (حزب الله) انتقل من موقع المتفهم للمخاطر المحدقة به إلى لعبة إشراك كل اللبنانيين بهذه المخاطر، وذلك عبر اعتماد خيار «المركب الواحد»: ننجو معاً أو نغرق معاً. خيار يُريد الحزب من خلاله جعل  اللاعبين الدوليين يعيدون حساباتهم حياله والثمن الذي سيدفعه لبنان إذا استمرت واشنطن وحلفاؤها بالسير في خطة محاصرة وإضعاف الحزب من بوابة العقوبات، وربما ما هو أبعد من العقوبات. لذلك وحتى لا نصل الى تشبيه هذه الانتخابات بحرب أهلية، فعلى كل الحريصين أن يدفعوا باتجاه أن تكون الإنتخابات عرساً ديمقراطياً وأن يسعوا إلى التخفيف من حدة التشنج والشحن والتوتير وإستخدام الخطاب العقلاني الذي يحاكي هموم الناس ومصالحهم لأن الحرب الأهلية تبدأ أولاً بالكلام، بالتعبئة السياسية وبشحن النفوس بالعداوات والأحقاد. بهذا المعنى، إن استمر الخطاب المتشنج والشحن المذهبي وإعادة نبش ويلات الحرب، فإن الحرب الأهلية الانتخابية قد تبدأ فعلاً، ومن المتوقع تصاعدها في الأيام المتبقية من الانتخابات. هذا لن يمنع أن تشهد بعض التفلت وانفلات الأمور بشكل غير متوقع من قبل بعض الموتورين ولكن علينا أن نعي أنه في السابع من أيار سيكون يوما جديداً فمن الضروري بمكان أن يعمل الجميع لتكون الإنتخابات في البلاد بشكل عام وفي بعلبك الهرمل بشكل خاص تحت السيطرة.