يبدو أن زعامة نبيه بري ووليد جنبلاط من طينة الزعامات التي لا تُكسر في حضورهما على قيد الحياة
 

 

تجمع الهموم المشتركة في بعض الأحيان بين رجالات السياسة في لبنان ، لكن بمجرد أن يزول الخطر ، يعود هؤلاء إلى خصومتهم القديمة وخطاباتهم الرنّانة .

العلاقة بين رئيس مجلس النواب رئيس حركة أمل نبيه بري وبين رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب وليد جنبلاط تخرج عن هذه القاعدة ، فهي قاعدة ثابتة من المصالح والهموم المشتركة التي بدأت في أواسط الحرب الأهلية اللبنانية وإستمرت إلى الآن ، بإستثناء ما حصل بين الرجلين في حقبة " حرب العلم " ولم تتكرر.

وكثر يتساءلون عن سبب نجاح وثبات هذه العلاقة إلى وقتنا الحاضر ، رغم التقلبات التي تشهدها العلاقات الأخرى بين ساسة لبنان ، فهي تجمع بين رجلين إنضما إلى محورين مختلفين في الرؤية الإستراتيجية لدور المقاومة في الداخل اللبناني بعد عملية إغتيال الرئيس رفيق الحريري ، أي محوري ٨  و١٤ آذار .

ورغم هذا الإنقسام العامودي ، حرص الزعيمان التقليديان داخل الطائفتين الشيعية والدرزية على إستمرار التواصل بينهما وعدم كسر الآخر ، فظّل جنبلاط متمسكا بخيار بري كرئيس لمجلس النواب وإستمر بري في ردع محاولات حليفه الشيعي ( حزب الله ) في إلغاء ومحاربة جنبلاط على الصعيدين الدرزي والوطني .

إقرأ أيضا : التيار الوطني الحر ليس قويا إنتخابيا كما يحاول الترويج

يرى البعض في هذه الشيفرة العصيّة على الفكّ لغزا تاريخيا يجب التوقف عنده ، ويردّ آخرون الأمر إلى كيمياء ما فوق العادة بدأت تتراكم منذ الحرب الأهلية حتى وقتنا الحاضر ، وعُجنت بالتجارب والمعارك والدماء والنضال المشترك .

فالرجلان من جيل الحرب الأهلية ومن رعيل السلم الأهلي الذي تحقق بعد إتفاق الطائف ١٩٨٩، وبالتالي ترتكز رؤيتهما للبنان بناءا على هذا الإتفاق، ولا يطمحان بلعب أدوار إقليمية خارج الحدود ، بل هما مقتنعان بساحتهما المذهبية والوطنية .

أضف إلى ذلك ، أن نظرة الرجلان للمارونية السياسية واحدة ، فبري الذي ترافقه " عقدة النبعة " والحرمان الشيعي ، يُلاقيه جنبلاط بعِقد من العلاقات المتوترة بين الموارنة والدروز في الجبل ، وهو يرى في تقويتهم تهديدا للدور الأكبر من طائفته الذي إستطاع تأسيسه.

لذلك ، وفي ظل الوصاية السورية في لبنان ، برع الرجلان في إستغلال ضعف التمثيل المسيحي لتأسيس شبكة مصالح سياسية وإقتصادية في حقبة ما عُرفت ب " الترويكا " والذي كان جنبلاط جنديها المخفي.

وأي مسّ بالطائف وإمتيازاته هو بحقيقة الأمر مسّ بدور الرجلين والإمتيازات التي حصّلوها في زمن الوصاية والتي صنعت منهما أحجار رحى السياسة اللبنانية .

ولا بد من التنويه أيضا أنهما يمتلكان من الذكاء والحنكة السياسية ما يؤهلهما للعب أدوار وتوزيعها بتفنّن هائل.

إقرأ أيضا : لماذا يغيب الخطاب السياسي الواضح في البرامج الإنتخابية للمرشحين ؟

ومع عودة المسيحيين إلى المشهد السياسي في لبنان بعد ٢٠٠٥ عبر التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية والكتائب اللبنانية ، بدأ يشعر الرجلان بتهديد من الدور المتنامي لدور المسيحيين ، خصوصا أداء التيار الذي وقّع ورقة تفاهم مع الحزب وإستطاع إيصال الرئيس ميشال عون إلى قصر بعبدا.

كان شعار العونيين منذ العودة الباريسية هو إسترجاع حقوق المسيحيين ، ووجهوا سهامهم في البداية على تيار المستقبل لكن سرعان ما تحولت المعركة بينهم وبين الرئيس بري عبر السجالات الحاصلة منذ سنين بينهما وبينهم وبين النائب وليد جنبلاط عبر اللوائح الإنتخابية التي أعدّها التيار في معقل البيك بالجبل لحصاره.

ففي فكر التيار وبالأخص رئيسه وزير الخارجية جبران باسيل ، الخطر الأكبر على مشروعهم يتمثل ببري وجنبلاط لا الحريري ، ولا يمكن إستكمال مشروعهم إلا بإضعاف الرجلين وإن أمكن إقصائهما.

وبغض النظر عن أحقية أو عدم أحقية إدعاءات التيار وغلوّه في رفع الشعارات الطائفية والتناقضات في أداءه ، فهو يواجه معركة قاسية مع بري وجنبلاط لن تكون حسب أمنياته.

خصوصا أن خصوم التيار بدأوا يزدادون ولا يقتصران على الزعيمين المحنّكين .

ويرى جنبلاط أن معركة بري هي معركته أيضا لأنه في حال كُسر بري سيفقد حليفا قويا وسيصبح من السهل عزله .

أما بري المتوجّس من عودة الدور السوري وبعض الأسماء المطروحة في الترشيحات كاللواء جميل السيد في بعلبك الهرمل ، يُدرك أن المعركة المقبلة صعبة ويعي أن باسيل يخوض معركة ضده أيضا نيابة عن السوري في بعض الأحيان ولا يرغب في رؤيته رئيسا للمجلس النيابي أو أقل الإيمان يريده رئيسا ضعيفا للمجلس المقبل.

لكن ما هو غير مفهوم هو سبب مشاركة الرئيس سعد الحريري في هذا المخطط كما ألمح لذلك الوزير وائل أبو فاعور ، فما مصلحة الرجل من إقصاء بري وجنبلاط ؟!

وعليه ، تبقى العلاقة بين الرجلين وبديهية فهمهما لبعضهما الآخر وتقدير الموقف الصحيح ، سدّا مانعا أمام أمنيات باسيل ومن خلفه .

فما بعد الإنتخابات وبحسب الإحصاءات والدراسات ، كتلتي الحريري والتيار العوني إلى تراجع ، وما كانا يفعلانه اليوم سيصعب عليهما فعله بعد ٦ أيار ٢٠١٨.

ويبدو أن زعامة نبيه بري ووليد جنبلاط من طينة الزعامات التي لا تُكسر في حضورهما على قيد الحياة  ، وهي بحاجة لمعجزة وربما للإمام علي كما سُرِّب عن بري.