ربما فرضت طبيعة القانون الانتخابي على القوى السياسيّة اعتماد تكتيك ما صار يُعرف بالتحالف "على القطعة". أي بحسب طبيعة المصالح البراغماتيّة في كل دائرة على حدة. وربما كان تلاشي الاستقطاب المبني على ثنائيّتي 8 و14 آذار هو ما أنتج "فسيفساء" من التحالفات غير المتجانسة في مختلف الدوئر. لكنّ المشهد السياسي أنتج أيضاً تحالفات نافرة في الشكل والمضمون، بصورة تجاوزت التوقّعات كلها. 

عونيو صيدا: تحالف "الإخوان"
يوم عبّر رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع عن تقبّله المبدئي مشاركة الإخوان المسلمين في المسار الديمقراطي لبعض الدول بعد الربيع العربي، تحوّلت عبارة "حكم الإخوان" إلى جزء من أدبيّات النكاية السياسيّة في خطاب التيّار الوطني الحر بمواجهة القوات. ببساطة، أصبحت العبارة على وسائل الإعلام البرتقاليّة عنواناً لأي خبر يتعلّق بأعمال العنف في العالم الإسلامي، حتّى لو كان الفاعل أحد الخصوم الإيديولوجيين للإخوان أنفسهم مثل القاعدة أو داعش أو السلفيين أو غيرهم. الإخوان أصبحوا في الخطاب الإعلامي للتيّار أي حالة إسلاميّة غير محبّذة أتت مع الربيع العربي.

لم يتقبّل التيّار مشاركة الإخوان في انتخابات 2018 فحسب، بل جاء حليفاً رئيسيّاً لتنظيمهم السياسي اللبناني، "الجماعة الإسلاميّة"، في دائرتين. في دائرة صيدا- جزّين تحالف نوّاب جزّين العونيون مع مرشّح الجماعة في صيدا بسام حمود، بينما تحالف الطرفان أيضاً في دائرة عكّار ضمن لائحة "عكّار القويّة". 

ولعلّ اللافت هنا هو وجود النائب زياد أسود رأس الحربة في لائحة الجماعة والتيّار في صيدا- جزّين، وهو النائب الذي أطلق أشد التصريحات تطرّفاً في مواجهة "الإسلام السياسي" عندما أطلق جعجع تصريحه الشهير. أمّا مرشّح الجماعة بسّام حمود فكان من المشاركين بفاعليّة في تحرّكات أهالي الموقوفين الإسلاميين في صيدا، وهي القضايا الأكثر حساسيّة بالنسبة إلى التيار الوطني الحر. 

المجتمع المدني: تحالفات شائكة
المجتمع المدني ليس أفضل حالاً. ففي بعبدا قرر "الثلاثي المدني" بول أبي راشد وألفت السبع وأجود عيّاش الانسحاب تدريجاً من تحالف وطني في الدائرة لمصلحة تحالفهم المستجد مع حزب الكتائب وحزب الوطنيين الأحرار. الكتائب حليف القوات في دوائر أخرى، مثل زحلة وبيروت الأولى، لكنّ المرشّحين الثلاثة أصرّوا في خطابهم على اعتبار الكتائب حزباً حليفاً لـ"المجتمع المدني" في بعبدا. 

وهذا ما أدّى إلى شرذمة القوى الاعتراضيّة في الدائرة، بعدما رفضت وجوه أخرى من الحراك المدني مثل المرشّح واصف الحركة الإنضواء في لائحة الكتائب، ليتم بعدها تشكيل لائحة أخرى تحت مظلّة تحالف وطني. ولا يبدو واضحاً حتّى الآن الهدف التكتيكي من التحالف المستجد مع الكتائب. إذ إنّ حسابات الصوت التفضيلي لا تعطي المدنيين الثلاثة أي أفضليّة للخرق في المقاعد الشيعيّة أو المقعد الدرزي، بينما يستبعد المتابعون تفوّق أبي راشد على مرشّح الكتائب ضمن اللائحة للخرق في المقعد الماروني. وهناك غرائب أخرى مثل تحالف مجموعة لبلدي في الأشرفية مع القيادي العوني السابق زياد عبس، المعروف بمواقف "نافرة" تجاه اللاجئين وبعض رموز السلطة. 

أمل والتيار: الاستثناء المر
وضعت حركة أمل فيتو على التحالف مع التيّار بشكل مباشر في أي دائرة انتخابيّة، بعدما أصبح الخلاف السياسي بين الطرفين أكبر من أي اعتبارات براغماتيّة. لكنّ المفاجأة كانت في أن يكون الخرق الوحيد لهذا الفيتو في دائرة بعبدا تحديداً، وهي الدائرة التي شهدت أكثر الحوادث حساسيّة أيام إحتجاجات حركة أمل على خطاب باسيل المسرّب.

استدعت واقعة الحدت مصالحة شهيرة في مبنى البلديّة، حرص (حزب الله) على تنظيمها بدقّة. ويبدو أنّ للحزب اعتبارات انتخابيّة أو سياسيّة، استدعت أن ينظّم الاستثناء الوحيد للقطيعة الانتخابيّة بين التيّار وحركة أمل، في دائرة بعبدا بالذات. 

سعيد- الخازن: تحالف لمنع التحالف
زايد فارس سعيد على الجميع في مواجهة سلاح الحزب، وصعّد حتى النهاية في مواجهة العهد وكل من قام بتسوية معه. لكنّ ذلك لم يمنعه من نسج تسوياته الخاصّة انتخابيّاً، ولو كانت من الطراز المتقبّل لـ"أصدقاء" الحزب، مثل النائب فريد هيكل الخازن.

فبعدما حسم التيار خياره بعدم مشاركة الثنائي الشيعي في لائحته في دائرة كسروان- جبيل، اتجه الحزب إلى البحث عن شريك ماروني قوي في هذه الدائرة. كان فريد هيكل الخازن أبرز المرشّحين لهذا الدور، خصوصاً مع تماهي الخازن سياسيّاً مع الحزب. 

سرعان ما تلقّف سعيد الوضع، واستبق هذا الاحتمال بعقد تحالف مع فريد هيكل الخازن رغم الاختلاف السياسي معه. غاية التحالف كانت ببساطة قطع الطريق أمام احتمال تحالف بين الخازن والحزب، والحؤول دون وجود حليف انتخابي ماروني قوي للحزب في كسروان. كان هذا نموذج عن تحالف لمنع التحالف.

مصباح الأحدب: إسلامي- مدني
كان يعلم مصباح الأحدب أن دخوله لائحة من لوائح الزعامات الكبرى في المدينة سيعني رفدها بأصواته التفضيليّة، من دون أن يتمكّن من الحلول في طليعة هذه اللائحة، أي دون أن يتمكّن من الفوز. لذا، ومنذ دخوله مسار التحضير لتشكيل لائحته في دائرة طرابلس- المنية- الضنيّة، كانت جميع المؤشّرات تدل على اتجاهه إلى تشكيل لائحة مستقلّة بالتحالف مع مجموعة من المجتمع المدني الطرابلسي. 

ظلّ دخول الأحدب كشخصيّة سياسيّة تقليديّة مضمار تحالفات المجتمع المدني محل انتقاد فئات واسعة من الناشطين. لكنّ جهود الأحدب أثمرت أخيراً في إنتاج لائحة تجمعه بمجموعة من الشخصيّات المستقلة التي تضفي عليها طابع لائحة "مجتمع مدني". وليضيف إلى المسألة مزيداً من الاشكاليّات، طعّم اللائحة بمرشّح من الجماعة الإسلاميّة.

حتّى اللحظة كانت جهود معظم الأحزاب والشخصيّات تتركّز على إنجاز تحالفات بالقطعة تمكّنها من الحصول على أكبر عدد من المقاعد، وفقاً للقواعد التي يضعها هذا القانون. لكنّ، يبقى أن نرى في المرحلة المقبلة، وخلال الحملات الإعلانيّة، نوع المشاريع الانتخابيّة التي ستحملها لوائح بهذه التناقضات.

 

 

علي نور