لن يقبل أي مواطن يمتلك الحد الأدنى من الإنتماء الوطني أن يبقى هذا الوطن معلق على صليب المطامع والأجندات الداخلية والخارجية، إلا إذا أجّر عقله ورضي أن يداس ضميره بأحذية بالية لا ترحم أحداً
 

الملاحظ أن بحث قضية التحريض المذهبي واستخدامها في المعركة الانتخابية ليست حدثاً طارئاً بل هي المادة الدسمة التي يستخدمها كل طرف من الاطراف المتناحرة وأن التعمق بقراءتها يشكل إطاراً خطراً جداً وشائك التفاصيل في الوقت ذاته، لكنه بالمقابل صالح للنقاش وتفرضه الظروف الانية التي تعترض طريق التواصل ووضع اليد في اليد من أجل معركة ديمقراطية ومستقبل آمن للجميع. نتحاور في البدء عند كل استحقاق حول مسألة الولاء لمن، هل هو للوطن ام للطائفة أو للعشيرة أو للزعيم أم ماذا؟ الوطنية ليست الولاء للحزب أو الزعيم أو حتى لفكرة نعتنقها ونتشبث بأنها الحقيقة المطلقة، الوطنية هي هذا السعي الذي لا يتعب إلى مستقبل أفضل للأجيال الآتية بعدنا على هذه البقعة من الأرض، كي يكون العيش فيها محتملاً وكي يستطيع أولادنا وأحفادنا أن يحبوها وتزدهر فيها الحياة جميلة كما في البلدان التي نحلم بها.

إقرأ أيضًا: لا حل طائفي لمشكلة البلد!
ليس مفاجئًا أن رؤساء الكتل الأساسية يحملون سلاح الدفاع عن الطائفة، عن الجماعة، وليس عن اللبناني من باب المواطنة والحقوق والواجبات وفق الدستور والقوانين.
لكن الولاء حسب العقل والمنطق لا يقبل أنصاف الحلول حين تحضر مسألة الانتماء للوطن ومنها وإليها، هل يمكننا أن نصل ونتفق على هذه القضية؟
 أعتقد أنه من الصعوبة بمكان نظرا للهويات المركبة لكل فرد منا ان يتم حسم مثل هكذا موضوع جوهري على الرغم من حسم العديد من المسائل المتعلقة بهوية الوطن دستورياً، وعلى رغم جدية وحدة الصراع الطائفي بين السنة والشيعة داخل الطائفة الواحدة وبين المسلمين والمسيحيين والمسيحيين والمسيحيين على المستوى العام، إلا أن الحقيقة تفصح عن أن التصادم المختلق هو نتاج لفعل فاعل، واجتهادات قوى وأجندات خارجية بغية طموحات متباينة لن يتم الوصول اليها إلا عبر زرع فتنة مرتبة من ذات العيار الثقيل حتى يصبح الشرخ مناسباً وملائماً لبث الشقاق وإدخال عوامل التفرقة الخبيثة.
لن يقبل أي مواطن يمتلك الحد الأدنى من الإنتماء الوطني أن يبقى هذا الوطن معلق على صليب المطامع والأجندات الداخلية والخارجية، إلا إذا أجّر عقله ورضي أن يداس ضميره بأحذية بالية لا ترحم أحداً، وفي هذه الحالات فالوجع واحد والجرح متشابه ولا يستثني أحداً دون الآخر، المصلحة الوطنية لن تكون إلا بالتعاون والتعايش وقبول الآخر والتصدي لعناصر التخريب والعمل على خلق رأي عام، وذلك لن يحدث إلا متى تفاعلت الإرادة و العقول المتنورة والمتزنة وتقاطعت لاستئصال هذا الورم المتفشي الخبيث، والعمل على قطع الطريق على من يحاول تجاوز الوطن وهتك لُحْمَتِه ولو قيد أنملة. 
إن الابتزاز والتخريب والتخوين والتجريح مسائل خطيرة في مسيرة التواصل والالتقاء وتعرقل وتربك وتؤزم مشاريع البناء الموحدة بل وتضيف كثيراً من الجراح للمجتمع الذي أمامه فرصة سانحة اليوم أكثر من أي وقت مضى للتعبير عن رأيه وصوغ رؤيته لمستقبل أبناءه والأجيال القادمة من خلال صندوق الإقتراع.

إقرأ أيضًا: لماذا يغيب الخطاب السياسي الواضح في البرامج الإنتخابية للمرشحين؟
عاشوا أهلنا سنين طويلة قبل الحرب الأهلية القذرة، من دون أن يتقاذف عقلاؤنا ويتشاجر سفهاؤنا ويتقاتل البلهاء، عشنا وتعايشنا بأحزان مشتركة وأفراح متبادلة وهموم مقسومة وأياد مجتمعة ضمن منظومة عادات وتقاليد اجتماعية مشتركة. نعرف أن الطائفية ليست وحدها العائق الوطني كذلك القبلية والمناطقية والعصبية لعبت وتلعب دورا سلبياً وهناك من يغذيها وينميها، لكن القلق الكبير «الطائفية» التي لها أحزابها ولها اليد الطويلة والعيون البصيرة تعرف كيف تنثر السم، وعلينا أن نقف بمواجهة هذه الآفة التي إن استمرت في غيها ستحرق الحجر والبشر، وهذا لن يتحقق إلا إذا استوعبنا حجم المستفيدين من إشعال الفتنة الطائفية المقيتة(ولعنة الله على من يوقظها)، وأدركنا أن الشراكة تستلزم تفعيل المشاركة والحب والخوف على الوطن والمواطنين لأنهما الضحية والهدف، والمطلوب اليوم من كل حريص السعي لمواجهة هذا الخطر الزاحف لأن أهلنا في ربوع الوطن ليسوا حطباً لإستعار وتأجيج نيرانهم الحارقة. 
فلنعمل بحيث تحمل هذ الإنتخابات ولو الحد الأدنى المتاح من التجديد أو محاولة التجديد التي يمكن البناء عليها لتراكمات تتحدى بفعالية أكبر المجلس الأعلى الطائفي المتحكم بنهب المال العام من خلال التمثيل السياسي.