سياسة الترقيع ستستمر بعد الإنتخابات والفساد سيكون سيد الموقف في ظل غياب الخطاب السياسي الداعي لبناء دولة حقيقية
 

 

كان ملفتا للأنظار الكم الهائل من البرامج الإنتخابية المطروحة سواء من الأحزاب أو المرشحين المستقلين للإنتخابات النيابية في ٦ أيار ٢٠١٨.

وإن كان هذا العدد الكبير من البرامج يعكس روحية القانون الإنتخابي النسبي المعتمد لأول مرة في تاريخ الديمقراطية اللبنانية ، إلا أنه تميّز هذه المرة بغياب الخطاب السياسي الواضح الذي كان بارزا في الدورات السابقة خصوصا في ٢٠٠٥ و ٢٠٠٩.

ففي إنتخابات ٢٠٠٥ كان البلد منقسما بشدة بين معسكري ٨ آذار و ١٤ آذار وكانت عملية إغتيال الرئيس رفيق الحريري واضحة كشعار وطرح في الإنتخابات النيابية مقابل تقديم موضوع المقاومة كإستفتاء من قبل الثنائية الشيعية للجمهور الشيعي ، رغم التحالف الرباعي الذي قام حينها بين  أبرز أقطاب المعسكرين .

ودخل على الخط أيضا تحميل النظام السوري مسؤولية الإغتيال والجهاز الأمني اللبناني معه والمطالبة بتشكيل محكمة دولية .

أما في ٢٠٠٩ ، فبرزت شعارات الأحزاب داخل قوى ١٤ آذار بإتجاه تحصين المحكمة الدولية والرد على أحداث ٧ أيار ٢٠٠٨ في بيروت والجبل وشعار " العبور إلى الدولة " ، فيما تمسك فريق ٨ آذار بشعارات حفظ المقاومة وكشف ملف ما سُمي حينها بالشهود الزُّور داخل المحكمة الدولية .

إقرأ أيضا : عودة الحرارة على خط التحالفات الإنتخابية بين القوات والكتائب

 

كانت إنتخابات ٢٠٠٩ الأخيرة الأكثر قسوة لناحية الخطاب السياسي والذي عكس الإنقسام العامودي الخطير في البلد وكرّس عُرف فريقي ٨ و ١٤ آذار 

لكن في هذه الإنتخابات ، تغيب الشعارات السياسية البارزة والخطاب الواضح ويظهر في فترات متباينة على شكل إغراءات للناخبين في مناطق الأطراف خصوصا كعكار وطرابلس وبعلبك الهرمل .

وقد إنعكس هذا الغياب على شكل التحالفات السياسية ، إذ نرى تحالفات غير منطقية ومتداخلة بين قوتي ٨ و ١٤ آذار ، وهذا ما جعل الرئيس نبيه بري يقول أنه " لم يعد هناك من ٨ و ١٤ آذار ".

غياب الخطاب السياسي في الإنتخابات وشكل التحالفات الموجودة هو نتيجة مباشرة للتفاهمات المسبقة التي حصلت في آخر ٤ سنوات ، وأبرزها التفاهم بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر والتفاهم بين الأخير وتيار المستقبل ، وهما تحالفان أدّيا إلى إنتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية وهو من من المقربين لتحالف ٨ آذار .

إقرأ أيضا : معركة بين مختلف القوى المسيحية في المتن والمر وحيدا

بالمقابل ، حصل تباعد كبير بين التيار الوطني الحر وحركة أمل وبين التيار والمردة ، مقابل تقارب بين المستقبل والأخير .

حتى العلاقة بين التيار و (حزب الله) شهدت بعض التقلبات والإختلافات في مرحلة ما بعد إنتخاب عون رئيسا . 

وبالتالي ، ساهمت هذه التفاهمات والإختلافات في رسم خارطة سياسية جديدة في البلد أدّت إلى تقديم المصلحة الحزبية على المشروع السياسي الواضح ، وتبني شعارات إنمائية وخدماتية وشعبوية في بعض الأحيان لجذب الناخبين .

وقد ساهم أيضا نمو دور المجتمع المدني وسياسة النأي بالنفس في التأثير على الخطاب الإنتخابي وتغيير المفاهيم والعناوين المطروحة ، خصوصا أن المواطن اللبناني سأم من الشعارات العابرة للحدود والصراع الإقليمي وأصبحت أولوياته النفايات ومكافحة الفساد وتأمين الكهرباء والمياه والتوظيف وغيرها .

لذلك ، وفي ظل غياب الخطاب السياسي الواضح الداعي في أبرز أسسه لقيام دولة حقيقية ، هناك خطر على تنفيذ هذه العناوين الإنمائية والإصلاحية ، ما يعني أن سياسة الترقيع ستستمر بعد الإنتخابات والفساد سيكون سيد الموقف ، إلا إذا كانت نتائج الإنتخابات معاكسة لتوقعات أحزاب السلطة ، فحينها ستختلف الحسابات .