ما زالت المرأة في كثير من دول العالم تجد صعوبة في تحصيل أبسط حقوقها وهو التعليم، في عصر بات تعريف الأُمّي فيه هو الشخص الذي لا يجيد العمل على الحاسوب مازال هناك من لا يستطيع القراءة والكتابة أو الالتحاق بالجامعة، وأكثر من يعاني من هذه المشكلة هي دول العالم الثالث وخصوصاً المناطق الريفية منها لأسباب كثيرة.


مع ذلك مازلنا نرى الكثير من النساء اللواتي لا يعيقهن أي شيء عن متابعة تعليمهنّ، وما قصة مالالا ببعيدة عنا، تلك التي كادت تذهب ضحية جهل مفرط لتدافع عن حقها في التعليم وتكون قدوة ومثالاً لكل الفتيات الأفغانيات واللواتي يواجهن صعوبات كي يحصلن على هذا الحق، واليوم تأتي جهان تاب JahanTaab# لتثبت أن المرأة تستطيع أن تكون الأقوى وتتابع حلمها في دخول الجامعة رغم كل العقبات التي تمنعها من هذا، لكنها ترفض أن تفرط بحق التعليم.

انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي صورة جهان تاب وهي تجلس على الأرض وفي حضنها رضيعها تهتم به، وفي نفس الوقت تكتب إجابات امتحان القبول في تخصص العلوم الاجتماعية في جامعة كابل، وقد قام المراقب يحيى عرفان بتصويرها بعد أن أعجب بإصرارها على إكمال الامتحان حتى النهاية رغم وجود صغيرها معها.


جهان تاب أفغانية ذات اثنين وعشرين عاماً وهي أم لثلاثة أطفال صغار، تنحدر من ولاية “دايكندي” الأفغانية، وتعيش في إحدى القرى الجبلية، رغم أن المسافة من بيتها للمدرسة ذهاباّ وإياباً تستغرق ربما أكثر من ثماني ساعات، إلا أنها لم تتراجع عن رغبتها بدخول الجامعة والتقدم لامتحان القبول لتنجح فيه وتحصل على 152 درجة، ويظل الفقر العامل الأول في تلك المناطق ومثيلاتها في العالم والذي يمنع الأشخاص من متابعة دراستهم الجامعية، وهو الأمر الذي يقلق جهات تاب والذي صرحت به لمدير المدرسة إذ أنها بعد انتهاء المدرسة سيكون هناك بالإضافة لعقبة المسافة والطرقات الجبلية التي لا تمر بها السيارات أو المركبات، فسيكون عليها أن تتحمل مصاريف الدراسة وهو ما لا تقدر عليه عائلتها الفقيرة.

وبعد انتشار الصورة على وسائل التواصل الاجتماعي لاقت جهان الكثير من الإعجاب والدعم والحث على المتابعة وعرض عليها الكثيرون التكفل بمصاريف دراستها، وعقب هذه الحملة التي تم إطلاقها لمساعدة “جهان تاب” عبر مواقع التواصل الإجتماعي، قامت جمعية “الشباب الأفغاني” الخيرية في المملكة المتحدة، بإطلاق حملة على موقع التمويل “GoFundMe”، وصرحت بأنَّ الأموال التي سوف يتم جمعها، ستُمنح لصالح “تاب” شخصياً، حتى تتمكن من إكمال دراستها الجامعية.

لكن من يصل إلى هؤلاء لولا وسائل التواصل؟
رغم أني لست مع تصوير الآخرين ونشر قصصهم على وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أنني أعتقد أن المراقب يستحق أن نشكره لأنه قام بأمرين مهمين، الأول أنه ساهم في نشر القليل من التفاؤل في هذا العالم القاسي الذي لا يرحم ليذكرنا أنه مهما كانت ظروفنا سيئة فإن هناك من يعاني أكثر ورغم ذلك فهو يسعى نحو حلمه بكل قوة وصلابة، والأمر الثاني أنه من خلال نشر  هذه الصورة ساهم بشكل غير مباشر في مساعدة جهان تاب في متابعة تعليمها وتحقيق ما تريد.

هناك الكثير من (جهان تاب) في هذا العالم، واللواتي لا يجدن من يساعدهن فيتابعن بكل إصرار حتى استنفاذ كل الفرص المتاحة لهم والتي هي قليلة بطبيعة الحال وربما توقفوا في مرحلة معينة بسبب مبلغ بسيط جداً قد يصرفه شخص ما في أمر تافه، بينما هو يغير مصير إنسان في مكان آخر!..وكثيرات كافحن رغم الظروف الصعبة من حرب وفقر وتشريد.

كثيرون مثل جهان تاب…قليلون من نعرفهم
ومن خلال عملي في مجال التعليم مع إحدى المنظمات الأجنبية في سوريا والتي تستهدف المتضررين من الحرب التي تحصل هنا، قابلت عشرات النساء اللواتي تم تهجيرهنّ من بيوتهنّ وواجهن ظروفاً صعبة للغاية في ظل الحرب التي لا ترحم أحداً، لكنهنّ قررن العودة إلى مقاعد الدراسة مع أولادهنّ، ففي أوقات الشدة والمحن العصيبة يتبين لنا أن ما من شيء كالعلم قد يجعل الأمور تصبح أسهل ويمهد الطرق أمام الجيل القادم كي يعيش حياة أفضل، وحين تدرك المرأة هذا لا شيء يمكن أن يمنعها من متابعة تحصيلها العلمي، وكم تبدع حين يأتيها الدعم من الزوج أو الأب ويكون دافعها أقوى لتنجح وتتابع نجاحاتها، فما أروع أماً لا تخجل من تقديم الشهادة الإعدادية مع ابنها في ذات السنة، بل وتستعين به ليساعدها في فهم ما استعصى عليها، لتكون معه خطوة بخطوة في الطريق إلى الجامعة هدفها الأكبر..أو تلك التي يدفعها زوجها لتعود إلى الدراسة رغم أنه لا يملك شهادة جامعية ولا ثانوية ويشجعها ويدعمها ويعينها كي تحصل على الشهادة الإعدادية وتتقدم إلى الثانوية العامة وعينها على الجامعة، وأعتقد أن أصعب ما تواجهه المرأة في تلك الحالات هو نظرة المجتمع الغريبة لها وتجاوز كل الكلام الذي يمكن أن يقال لأن العين على الهدف البعيد فلا تسمح لنفسها أن تشتت طاقتها بالمقاومة والرد عليهم، بل تكون النتائج هي الرد الأول.

هذه قصص عرفت أصحابها شخصياً فهي ليست ضرباً من الخيال أو المستحيل، وكلما رأيت أحداً يتقاعس لسبب لا يرقى لكونه عائقاً أحكي هذه القصص وأفخر أني عرفت هذه النماذج من الإصرار والنجاح لتكون درساً لي ولكل من يرى أن الحياة لم تعد ممكنة أو أن تحقيق الأحلام بات مستحيلاً.