إن معاملة الروس كمافيا لا كدولة من شأنها أن تضغط على القيادة الروسية لتحسين شروط علاقاتها الدولية
 

تطور الأزمة بين المملكة المتحدة وبريطانيا على خلفية اغتيال العميل الروسي وأخذها أبعاد دولية دفعت بأصدقاء بريطانيا الى اتخاذ خطوات دبلوماسية تمّ من خلالها طرد دبلوماسيين روس وخاصة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية التي ضاقت ذرعاً بدبلوماسيين هم بنظرها مجرّد أمنيين من شأنهم القيام وتنفيذ المهام التخريبية بحيث لم تستبعد دول أوروبا مسؤولية روسيا المباشرة في كثير من القضايا الأمنية خاصة بعد وقوفها الى جانب النظام السوري والذي اتهمته بريطانيا باستخدام الموّاد السّامة في الغوطة الشرقية وبتغطية كاملة من روسيا التي تسرح وتمرح في الحرب السورية دون رادع دولي وتُسهم في خلق واقع ديمغرافي يساعد من يرى في التقسيم حلاً للحرب السورية.
لقتل روسي وليس بريطاني قامت قيامة المملكة المتحدة ومعها أميركا ضدّ المتهم الروسي الذي لا يزال يهوى التجربة الأمنية لروسيا ولا يريد بوتين دفع عجلة الدولة في روسيا بقدر ما يريد إبقاء النموذج القديم حاضراً في علاقات روسيا الدولية والقائمة على الاهتمام بالقضايا والشؤون الأمنية واستخدام وسائل وأدوات الأمن من قبيل الاغتيال وغيره من الأفعال التي انتهت بانتهاء المعسكر الاشتراكي وسقوط دول الاستبداد والأمن والعسكر والنماذج العربية المتأثرة بها بحيث لم يبق من هذا الرعيل سوى النظام السوري الذي يقاتل من أجل بقائه واقفاً الرئيس الروسي آخر مسؤول أمني في الكا جي بي الروسية.

إقرأ أيضًا: الدّف انفخت وتفرّقوا العشاق
في حين هدّمت روسيا سوريا ولم تبق حجراً في إدلب إلاّ وتحته طفلاَ ولا حائطا في (الغوطة) إلا وتحته عائلة سورية ولم يرف الجفن العربي ولم تتحرك الجامعة العربية ولم تندفع دولة كي تستدعي العرب والمسلمين لاتخاذ موقفاً واحداً من روسيا التي قتلت من السوريين في شهرين أكثر مما ذهب من السوريين من بداية الحرب من ضحايا، ثمّة صمم عربي حول دور روسيا رغم أن روسيا تحتاج العرب والعرب لا يحتاجونها وهي تسعى وراء ثرواتهم وتريد أن تكون شريكة أميركا في الأمن و الثروة وكل ما تفعله في سورية هو لتثبيت الموقع الروسي في المنطقة بحيث يصعب هزّ هذا الموقع بعد أن ضمنت حضورها الأساسي في سورية وفي ما يتصل فيها من عناوين متفرعة عن موقع سورية الاستراتيجي .

إقرأ أيضًا: الحريري يهزّ شباك ميقاتي وريفي بكرة الإسلاميين
ماذا لو طرد العرب الروس إسوة بالغرب؟ هل يبقى الروس على غيّهم؟ إن معاملة الروس كمافيا لا كدولة من شأنها أن تضغط على القيادة الروسية لتحسين شروط علاقاتها الدولية وبالتالي تندفع باتجاه التخفيف من دور المافيات والاتجاه الضروري نحو بناء شكل من أشكال الدولة المدنية وهذا ما تحتاجه منطقة الشرق الأوسط الى دولة لا الى مافيا كيّ تكون نموذجاً جيداً للتعاطي معه كشريك ندي لسياسة القطب الواحد وهذا ما ترتجيه شعوب العالم الثالث من بروز قوّة حضارية تكون محل تطلع لهذه الشعوب وهذا لن يكون من خلال النموذج القائم في روسيا سلطة تعيد إنتاج نفسها كما هو حال دول االعالم الثالث بابتداع ديمقراطية مشابهه للديمقراطية التي تستند اليها أنظمة الاستبداد في ظل وضع اقتصادي سيء جعل الأغلبية من أهل الفقر والأقلية من أهل الغنى الفاحش وفي ظل تقدم في صناعة الموت دون أن يكون هناك أي رصيد في صناعة الحياة فكل اعتماد الروس على السلاح و ضرورة بقاء الحروب أو إيجادها لتسهيل عمليات البيع لزبائن هذه الحروب وفي ظل انعدام أيّ تقدم آخر في المجالات التي اقتحمها الغرب وأبلى فيها بلاءً حسناً فغير الطائرة والصاروخ والدبابة والتطوير الدائم لهم للقضاء على البشرية ماذا بيد الروس؟ لا يتقن الروس الاّ ما هو بائن قتل و اغتيال وكذب اعلامي أي انها تحمل نفس البضاعة التي حملتها أكثر النخب السلطوية في الشرق وهذا ما كوانا نحن العرب وهذا ما لانحتاجه لأنه فائض في تجربتنا ونحن نبحث عن دولة حياة لا عن فرقة من فرق الموت التي حكمتنا وتحكمت بنا منذ قيام السلطة وحقنا أن نبحث عن سلطة وعن أصدقاء وعن علاقات تتبنى مشروع الدولة الديمقراطية الفعلية كيّ نخرج من أنفاق الحروب والأزمات التي أثقلتنا وأرادت لنا البقاء تحت سيف السلطان والوالي.
حبذا لو يفعل العرب ولو لمرّة واحدة ما فعله الغرب وما يفعله في سبيل إنسان متصل بالأمن القومي الغربي في حين أن مليار وأكثر من مليون مسلم و عربي غير متصلين بأمن أي بنية عربية أو اسلامية فكل (غوطة) وأنتم نيام.