على تنوّع ما حملته تقاريرُ واردة من واشنطن من تناقضات حول الأسباب التي دفعت الرئيس دونالد ترامب الى تشكيل إدارة جديدة، فقد التقت هذه التقارير على تقدير خطورة الأزمات الداخلية التي يواجهها، ومعها الخيارات المتاحة لتجاوزها. ومن بين السيناريوهات المطروحة التوجّه الى الحروب الخارجية لتوافر الظروف التي تدفعه اليها؟ فكيف السبيل الى شرح هذه المعادلة؟
 

أضافت «الفضيحة الجنسية» التي أثارها المحامي مايكل أفيناتي وكيل ممثلة الأفلام الإباحية ستيفاني كليفورد المعروفة بـ «ستورمي دانيالز» التي ادّعت وجود علاقة جنسية مع ترامب عام 2006 همّاً إضافياً زاد من حال الإرباك في البيت الأبيض الذي يعاني كثيراً من الأزمات الداخلية المتناسلة والتي قادت ترامب في بداية السنة الثانية من رئاسته الى تغييرات دراماتيكية في مواقع القرار الكبرى بمعزل عن حجم الأزمات الخارجية التي انقسم حولها المسؤولون الكبارالذين أُقيلوا من وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي.

وتفيد تقارير وردت أخيراً من واشنطن أنّ «أزمة دانيالز» اتّخذت أبعاداً خطيرة بعدما نشر المحامي أفيناتي على حسابه على موقع «تويتر» صورة لأسطوانة مدمجة (CD) مرفقة بتعليق قال فيه: «إذا كانت الصورة تساوي ألف كلمة، فكم كلمة تساوي هذه الصورة؟».

وجاءت هذه الخطوة في عزّ المواجهة المفتوحة المليئة بالتهديدات المتبادَلة بينه ومحامي ترامب مايكل كوهين الذي أنذره بضرورة التزام موكّلته بمضمون البند الجزائي الذي وقّعت عليه الممثلة الإباحية قبل إقامة علاقتها مع ترامب بمنع استخدام كل ما يتصل بهذه القضية من صور أو وثائق تشير اليها.

وإلّا وفي حال المخالفة لبنود العقد، عليها أن تدفع مبلغاً كبيراً من المال. وهو ما دفع وكيل الدفاع عنها الى إقامة دعوى للفصل بين مضمون ما تعهّدت به في العقد وما أثارته في قضيتها تحت عنوان «التحرّش الجنسي».

وأخطر ما في الأمر إن ثبت انّ القرص المدمج قد يؤدي الى الكشف عن لغز كبير وخطير سيؤدّي الى عواقب وخيمة تنعكس على صورة الرئيس وعلاقاته ربما بعائلته. الامر الذي سيقود حتماً الى الحديث عن مخرج ما يحرف الأنظار عن هذه القضية الأخلاقية بالسرعة المطلوبة. ومن هنا جاء الحديث في أحد السيناريوهات المقترحة عن الذهاب ربما الى حرب خارجية وضعت لها قواعد الإشتباك الواقعية في اتّجاه اكثر من أزمة خارجية تقف الولايات المتحدة على عتبة اتّخاذ قرارات عسكرية في شأنها.

ومن هذه «البوابة العسكرية» فُتِح النقاش حول إمكان القيام بعمل أمني خاطف في كوريا الشمالية حسب ما اقترح رئيس مجلس الأمن القومي جون بولتون قبل أن يتسلّم مهماته في 9 نيسان المقبل بقوله في تغريدة على «تويتر» إنّ «على الرئيس ترامب أن يصرّ خلال أيّ اجتماع مع زعيم كوريا الشمالية على التركيز مباشرة على سبل التخلّص من برنامج بيونغ يانغ للأسلحة النووية في أسرع وقت ممكن». علماً انّ إستجابة كوريا الشمالية لمثل هذه الدعوة مستحيلة بعدما رفض زعيمها اكثر من دعوة مماثلة وُجّهت اليه، ولم يستجب لأيِّ نداء إقليمي أو دولي بهذا المعنى.

وأضف الى ذلك، هناك مَن يعتقد أنّ التطورات «الدراماتيكية» - كما تراها الإدارة الأميركية - على الساحة السورية تسمح بالقيام بضربة عاجلة نتيجة سقوط خياراتها الإستراتيجية في أكثر من حرب من الحروب الصغيرة في سوريا.

ومنها على سبيل المثال ما انتهى اليه التوغّل التركي في عفرين والتهديد بالتوجّه الى مناطق النفوذ الأميركية في مدينة منبج ومحافظة ادلب ومناطق أخرى حدّدها الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان على أنها من الأهداف المقبلة بعد انتهاء عملية «غصن الزيتون»، من دون أن يلقى ايّ اعتراض أو تنبيه روسي يوحي بإمكان منع حليفه التركي من القيام بأيّ مغامرة إضافية تفيض عن العمليات السابقة.

وما يزيد في الطين بلة، أنّ التهديدات التركية قد تجاوزت الأراضي السورية لتمسّ الأراضي العراقية، فالتهديد بعملية تركية في «سنجار» قد تشعل المنطقة مجدداً.

وستعدّ بلا شك بداية لجولات عنف جديدة ستجد واشنطن نفسها في موقع الدفاع عن النظام العراقي الذي اعتبر أنّ أيّ عملية من هذا النوع بعد استمرار تركيا في وضع يدها على منطقة «بعشيقة» الكردية هي إعلان حرب على بغداد التي ستردّ بما توافر لديها من قوة. وإذا كان أردوغان يشكّك في شرعية حكم الرئيس بشار الأسد في سوريا فكيف سيتطلّع الى النظام العراقي الذي تدعمه الولايات المتحدة الأميركية ودول أخرى في المنطقة والعالم؟.

وعليه، وفي ظلّ لغة الحرب السائدة على أكثر من لسان وفي أكثر من معهد أو مركز أبحاث أميركي، فإنّ جنوح ترامب الى أيٍّ من هذه الخيارات العسكرية لم يعد مستبعداً، فالحديث عن السلاح الكيماوي المستخدم من النظام في الغوطة وتهجير السوريين ومعهم الإيرانيون وحلفاؤهم 400 الف سوري منها، أضيفوا الى 150 الفاً آخرين هجِّروا من عفرين، قد يؤدي الى ردّ فعل عسكري اميركي عاجل يعيد المنطقة الى لغة الحرب الكبرى إذا كانت الأسلحة الأميركية إحدى أدواتها.

وكل ذلك يجري على وقع اتّهامات بتحوّل وجوده في سوريا على أنه «احتلال أميركي» لـ 20 % من أراضي سوريا نتيجة انتشار قواعدهم الجويّة والبريّة في منطقة «التنف» في الجنوب - الشرقي للبلاد وفي القامشلي وشالحسكة ومنبج في الشمال - الشرقي منها وتمركز وحدات سورية مختلفة ولا سيما الكردية منها والتي تموّلها وتسلّحها واشنطن وتأمرها.

وفي الخلاصة تترقب الأوساط الديبلوماسية بكثير من الحذر ما يمكن أن يقدِم عليه الرئيس الأميركي من خطوات عسكرية قد تكون مؤلمة وهي ترصد الجديد المتوقّع لمثل هذه الخطوات متى اكتمل عقد الإدارة الأميركية الجديدة التي أمسكت بالسياسة الخارجية وتتّجه الى الإمساك بالأمن القومي قريباً، وهو ما قد يتزامن وبلوغ الأزمات الداخلية ذروتها فتصبح الحاجة ماسّة الى مخرج ما، قد تكون الحرب الخارجية مدخلاً اليه.