الحق والعدالة والقيم الإنسانية وحرية الشعوب فهي لزوم ما يلزم لتهدئة خواطر المظلومين والمطرودين من ديارهم والمقصوفين بالأسلحة الكيماوية والبراميل المتفجرة
 

أطلق كثير من زملائنا الكتاب والمحللين العراقيين والعرب سيولا من التوقعات المتفائلة جدا بمقدم جون بولتون إلى موقع مستشار الأمن القومي الأميركي. وذهب بعض منهم بعيدا فنسج قرارات ومواعيد لحرب جديدة وشيكة مؤكدة سيشنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتأثير بولتون ووزير الخارجية الجديد مدير الاستخبارات المركزية السابق مايك بومبيو وباقي صقور إدارته الأشداء ضد نشاط النظام الإيراني في المنطقة وضد نفوذه، وتحديدا في العراق، ثم في سوريا واليمن بعد ذلك.

هذا يعني أن ترامب كان جاهلا بطبيعته الإرهابية ونشاطه في المنطقة، أو يعني أنه لم يكن يدري بأن قاسم سليماني هو الحاكم الحقيقي في العراق وسوريا واليمن ولبنان، أو يعني أنه لم يسمع ولم يقرأ تهديدات ميليشيات الحشد الشعبي لسلامة القوات الأميركية المتواجدة في بعض القواعد المتناثرة في العراق.

ويعني أيضا أنه كان عاجزا عن التحرك ضد عبث النظام الإيراني بأمن المنطقة، وأنه كان ينتظر دخول الصقرين الجديدين، بولتون ووزير الخارجية الجديد مايك بومبيو، إلى حديقة أسوده ونموره الآخرين، ليفي بوعوده التي قطعها على نفسه مرارا ويشنّ حربه المؤجلة ضد إيران وجواسيسها ووكلائها المحليين.

والذي يعرف الرئيس ترامب، منذ نعومة أظفاره، ومن أولى خطواته على سلم المال والأعمال، يقول إنه كان يباهي بأنه الآمر الناهي الأوحد الذي لا يقبل شراكة ولا وصاية من أحد.

ويتذكر مشاهدون كثيرون حول العالم غرابة سلوكه في برنامجه التلفزيوني الشهير المتدرب، وطريقته الدكتاتورية في إدارته لأعماله على الشاشة وأسلوب معاملته لموظفيه الكبار والصغار، معا، بما فيها من إهانة وإذلال:

يسأل أحدَ مستخدميه:

* ماذا عملت اليوم في الموضوع الفلاني؟

* كذا وكذا

* وكيف عالجت المشكلة الفلانية؟

* بكذا وكذا

* لا، هذا لا يعجبني. أنت مطرود.

منذ أول فوزه بالرئاسة وآلاف من الذين يعرفونه جيدا يؤكدون أنه سيدير أميركا وشؤونها المحلية والخارجية الصغيرة والكبيرة منها بنفس أسلوبه في برنامجه التلفزيوني الشهير. فهو، بهذه الخلفية والثقافة، لا بد أن يكون، وقد أصبح رئيس أميركا، مستشارا لنفسِه للأمن القومي ووزير خارجيته ودفاعه وخزانته وكبير موظفي بيته الأبيض، دون شريك.

وما جون بولتون ومايك بومبيو وغيرهما من وزرائه ومستشاريه الكثيرين الآخرين عنده بأفضل ممن كانوا موظفين لديه في شركاته وفنادقه ونواديه التي لا تغرب عنها الشمس.

ومن أول عهده في الرئاسة، وحتى يوم أمس، لم يتغير إلا أقل القليل، فهو يضع هذا في منصبه اليوم ويطرده منه صباح غد بتغريدة على تويتر قصيرة يُبلَّغ بها صاحبها وهو يغتسل في حمامه، أو يكون في رحلة عمل.

وبناء على ما تقدم يكون أغلب ما يقال عن حروب قادمة سيشعلها صقور الإدارة الأميركية ضد إيران، وتحديدا ضد نفوذها في العراق واليمن وسوريا، كلاما ليس له ربَّاط.

فأيّ شيء، نعم أيّ شيء، لن يحدث إلا إذا أراد ترامب.

ولن يريد ترامب إلا إذا أدرك أن ذلك الشيء صفقة مجزية في حساب الربح والخسارة. وحساب الربح والخسارة لا مكان فيه لصداقة أو عداوة، فكل شيء بثمن.

وأما الحق والعدالة والقيم الإنسانية وحرية الشعوب فهي لزوم ما يلزم لتهدئة خواطر المظلومين والمطرودين من ديارهم والمقصوفين بالأسلحة الكيماوية والبراميل المتفجرة، ولمغازلة الموهومين بالضمير الإنساني وصحوته القادمة.

فلو كان ترامب ناويا على شيء مما يهجس به المحللون والمعلقون، اليوم، لفعله منذ شهور.

ولكن، والحق يقال، إن كلامنا عن دكتاتورية ترامب وتفرده بالقرار وعدم قدرة أحد من وزرائه ومستشاريه على تغيير رأي له أو قناعة لا يعني أنه ليس عازما على ردع النظام الإيراني إذا تخطى حدود ما تسمح به المصالح الأميركية العليا من دور له في الإقليم، خصوصا وأن المنطقة التي تتلاعب بها إيران تبقى، برغم كل المتغيرات، مربط خيول أميركا، ومصدر رزقها الكبير.