وجد تيّار المستقبل دوراً محاطاً بشركاء أقوياء ولا يمكن تجاوز أدوارهم وهم يملكون نفس القوّة ولا يمكن مغالبتهم إلاّ في التهم السياسية
 

بدا الرئيس سعد الحريري كمنتصر في انتخابات الشمال من حيث قوّة التحدي في الخطاب التبجيلي للمنطقة وقوّتي الحضور والنفوذ السياسي والشعبي رغم خسارته لرصيد كامل في مدينة تمثل فعلاً حقيقة التمثيل الطائفي باعتبارها المدينة  الأكثر حضوراً عندما تكون الطائفة في خطر والأكثر غياباً وتهميشاً عندما تكون الطائفة في رخاء ونعمة ونعيم وهذا الغياب مزمن وليس وليد بروز الحريرية السياسية فهو قديم قدم الولادة الكيانية للدولة التي قامت على انتعاش الوسط وتهميش الأطراف. 
أمس استغل الرئيس الحريري مسألة الاسلاميين في السجون لجرّ عائلاتهم ومناصريهم الى صناديق الاقتراع رغم أن هذا الملف لم يلق اهتماماً مسؤولاً طيلة المسؤولية المباشرة للرئيسين نجيب ميقاتي وسعد الحريري في رئاسة الحكومة وجاءت الانتخابات النيابية لتوقظ صحوة المستقبل من النوم على ملفات مكدّسة جعلت طائفة بحالها تشعر بالغبن وبالوهن وبالضعف وتعتبر أن هناك سيادة عليها من قبل طائفة أخرى وهذا الشعور السيء أوجده تيّار المستقبل وهو في قلب السلطة لذا ذهبت الطائفة ذات اليمين وذات الشمال بحثاً عن بديل وعن بحث عن خيارات أخرى أكثر حماية لها من تيّار لم يستطع حماية نفسه الاً من خلال سلطة مخرومة بشروط حزب الطائفة الأقوى، ولكنها لم تجد ضالتها فكان الاستنساب سيّد المواقف فاختارت اللواء أشرف ريفي في انتخابات البلدية كمؤشر سياسي على هوى المدينة ومن ثمّ أبدت نزوعاً نحو التعددية في التمثيل السياسي وعدم اختزال التيّار للطائفة فكانت الترشيحات المتعددة واللوائح المتعددة باسم التمثيل الطائفي خيارات متاحة و أفضل من احتكارية التمثيل لتيّار فاقد للحماية المطلوبة.

إقرأ أيضًا: الجوهري شيخ المعارضة الشيعية
لذا وجد تيّار المستقبل دوراً محاطاً بشركاء أقوياء ولا يمكن تجاوز أدوارهم وهم يملكون نفس القوّة ولا يمكن مغالبتهم إلاّ في التهم السياسية لتعكير صفو المزاج العام والتحريض بالطريقة التي تقلّب رؤوس الناس بما ينسجم مع مصالح تيّار المستقبل، من هنا كان خطاب الرئيس الحريري كسباً لودّ الاسلاميين المؤثرين في الساحة الطرابلسية وكسباً لعاطفة مؤيدي الرئيس ميقاتي واللواء الريفي باعتبار الأول من حظ ونصيب الوصاية السورية واعتبار الثاني مجرد بطل من كرتون في مواجهة الحزب.
طبعاً إشكال الرئيس الحريري على خصميه ليس انتصاراً عليهما باعتباره متهماً بتقديم الطاعة العمياء للحزب كما ردّ الخصمان ميقاتي و ريفي وبالتالي علاقة الإسلاميين بأخصام الحريري أقوى بكثير من علاقته بهم من خلال ملف مازال قيد الدرس السياسي والأمني ومرتبط بموافقة خارجية و بشروط دولية.

من هنا ثمّة تعادل بين المتخاصمين في النقاط السجالية ولكن ثمّة فارق كبير يعطي الحريري كسباً للسباق الانتخابي باعتبار أن لائحته وتحالفاته أقوى وأوسع تمثيلاً من لائحتيّ الميقاتي وريفي فعدم تحالفهما معاً وذهابهما باتجاه اللائحة الواحدة لكل منهما يعطي الحريري قوة ويضعفهما كونهما يمزقان ويفرقان الصوت المعارض الى صوتين وهذا ما يتصل بكل اللوائح الأخرى المُعدة بشكل فردي ولصالح أفراد من شأنها زعزعة الكتلة الناخبة وإضعافها لصالح الحريري الذي يلعب على تناقضات هذه اللوائح المتعددة لأخصام يجب أن يجتمعوا عليه لا أن يتفرّقوا لصالحه.
لا يمكن مقارنة من هو في السلطة كمن هو خارجها فمعطيات السلطة شريكة في صناعة الرأي العام وهي تلبي حظوظ أربابها ولا طاقة لأحد على مواجهتها الاّ اذا قبض قبضة من القوّة المتعددة العناوين والتي لا حصر لها في بلد تقوده المنافع والمصالح والأهواء ومن لا يملك نصيباً وأسهماً في هذه البنوك يكون شيكاً بلا رصيد.