اعتقال الشيخ عباس الجوهري مؤشر خطير على بدء مرحلة جديدة من استهداف كل نفس مناوئ للحزب، وتعكس استعداد الحزب لكسر الخطوط الحمراء
 

أثار اعتقال الأجهزة الأمنية اللبنانية لرئيس اللقاء العلمائي والمركز العربي للدراسات والحوار الشيخ عباس الجوهري الكثير من الشكوك والتساؤلات خاصة وأنه يأتي قبل ساعات من نهاية الموعد المحدد لتقديم الأوراق اللازمة لتسجيل اللوائح الإنتخابية.
من جهتها، كانت وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية قد أعلنت أنه "تم الخميس توقيف الجوهري عندما قدم إلى مديرية الأمن العام في بيروت لتقديم طلب للحصول على جواز سفر، فتبين أن بحقه مذكرة توقيف غيابية بجرم مخدرات، وأحيل على النيابة العامة في جبل لبنان للتحقيق معه"، وسبق أن تم استجوابه في تلك القضية وأطلق سراحه لأن لا علاقة له بالموضوع.
بدوره، اعتبر المكتب الإعلامي للشيخ الجوهري أن "ما حصل يؤشر على بدء مرحلة جديدة مفتوحة على استعمال كل أنواع الأسلحة المحرمة، وأن انكشاف البقاعيين أخلاقيًا وأمنيًا، يُعيدنا إلى عهد الوصاية الغابر الذي كان يفبرك ويتهم جزافًا".
وتساءل المكتب في بيان أصدره أمس الجمعة "كيف يحصل أن تصدر مذكرة توقيف دون تبليغ صاحب العلاقة قبل المذكرة وبعدها، ولا علم له أصلًا بوجود ملف قضائي يتضمن اتهامات تصل به إلى حد التوقيف؟ خصوصًا أن الشيخ عباس معروف شخصيًا، ومعروف الإقامة، وهو رجل سياسي له لقاءات تلفزيونية عدة وإطلالات إعلامية متكررة".
وهناك شبه قناعة بأن من يقف خلف عملية اعتقاله هو "الحزب" الذي لطالما شن حملات إعلامية ضده، باعتبار أنه أحد قادة حركة معارضة فتية تزداد صلابة من داخل الطائفة الشيعية التي صارت خلال العقود الأخيرة رهينة توجهات الثنائية الشيعية الممثلة في "الحزب" و "حركة أمل".
في السياق ذاته، فقد منح القانون الانتخابي الجديد القائم على النسبية زائد الصوت التفضيلي الشيخ الجوهري إمكانية تشكيل قائمة شيعية منافسة للحزب في دائرة الهرمل – بعلبك الواقعة في البقاع الشمالي مسقط رأسه، وحيث يملك قاعدة شعبية تثير قلق الحزب.
من ناحيته، اعتبر رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، أمس الجمعة، أن "ما حصل للشيخ الجوهري في هذا الوقت بالذات هو اعتقال وليس توقيفًا، خصوصًا وأن الشيخ هو مرشح عن أحد المقاعد الشيعية في دائرة بعلبك – الهرمل ويلعب دورًا فاعلًا في التحضير لإحدى اللوائح في المنطقة".

ولفت جعجع إلى أن اعتقال الشيخ الجوهري عشية يوم الخميس في آخر 24 ساعة فعلية يتم فيها تحضير الأوراق الثبوتية وكل ما يلزم لتسجيل اللوائح الانتخابية، آخذين بعين الاعتبار أن أيام الجمعة والسبت والأحد لا تلتئم عادة أي هيئة اتهامية، وبالتالي يكون اعتقال الشيخ عباس هو بمثابة منعه من الترشح على أي لائحة انتخابية، وبالتالي إسقاط حقه في الترشح، وشدد على أن "توقيف الشيخ عباس بهذا الشكل وبدون أي مبرر فعلي ولا أي تهمة فعلية وبملف فارغ بعد أن اطلع عليه محاموه لا يمكن اعتباره إلا تدخلًا سافرًا في العملية الانتخابية الحالية في دائرة بعلبك - الهرمل تحديدًا".
من جهة أخرى، استبق اعتقال الجوهري هجوم لاذع من الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله على منافسي الحزب في دائرة الهرمل بعلبك حيث وصفهم بـ "المقتاتين على مائدة السفارات" وداعمي "التنظيمات الإسلامية"، مضيفًا "لن نسمح لهم بأن يمثلوا المنطقة في المجلس النيابي".
ويرى مراقبون أن اعتقال الجوهري يعكس في واقع الأمر حجم الارتباك الذي يعيشه الحزب من إمكانية حدوث اختراقات في دائرة بعلبك الهرمل التي لطالما عدت أحد أبرز معاقل الحزب وخزانه البشري الذي لا ينضب من المقاتلين الذين يتم تجييرهم لصالح مشاريع إيران في المنطقة.
يذكر، أنه خلال السنوات السبع من الحرب السورية لقي المئات من شباب البقاع حتفهم خلال قتالهم لفائدة نظام الرئيس بشار الأسد وطهران، الأمر الذي ولد شعورا متناميا بالامتعاض والتململ في المنطقة، ويتعزّز هذا الشعور مع فشل ذريع لنواب الحزب، على مدار السنوات الماضية في الوفاء بتعهداتهم لجهة تحسين الوضع الإنمائي داخل المنطقة التي تعاني حالة من التهميش واستشراء البطالة، الأمر الذي أدّى إلى تحوّل البقاع الشمالي إلى مرتع للعناصر الإجرامية.
بدوره، قال الأمين العام للحزب أول من أمس الخميس في لقاء داخلي جمعه بكوادر حزبية في منطقة بعلبك – الهرمل وزحلة إن "ما أعلنته الأسبوع الماضي عن استعدادي للذهاب شخصيًا إلى البقاع لدعم لائحة المقاومة كلام جدي، وأني أبلغت المسؤولين عن حمايتي بهذا الأمر وأنا أبلغكم أنه إذا اضطر الأمر خلال الأسابيع القادمة سأخاطر بنفسي وأذهب إلى البقاع لأشرح أهمية هذه المعركة"، وزعم قائلًا "السفارتان السعودية والأميركية تضعان ثقلهما في انتخابات بعلبك - الهرمل التي أصبحت لها أبعاد خارجية وداخلية ضد الحزب، في محاولة لدغدغة عواطف البقاعيين".
وبدورها، ترى دوائر سياسية لبنانية أن الحزب يعتبر دائرة بعلبك – الهرمل أم المعارك الإنتخابية، وأنه بدفعه لإعتقال الشيخ عباس الجوهري، وتخوينه للمنافسين، واتهامهم بالإرهاب، يكشف أنه مستعد للذهاب بعيدًا وتجاوز جميع الخطوط الحمراء في هذه المعركة باعتبارها تضع الصورة التي لطالما حرص على التسويق لها على المحك.