استدعى الرئيس دونالد ترامب جون بولتون الى البيت الأبيض ليكون مستشاراً للأمن القومي في 9 نيسان المقبل خلفاً لآتش آر ماكماستر، بعد ايام على إخراج ريكس تيلرسون من وزارة الخارجية. وعليه فإنّ القرار سيكون في يد الصقور الذين يدعون الى الحرب ضد أكثر من طرف. ولذلك باتت مراقبة حركة البوارج في المتوسط واجباً في انتظار ساعة الصفر. فإلى ماذا تستند هذه القراءة؟
 

في خلال عام وشهرين من بداية ولايته سيدخل الرجل الثالث الى جناج مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض السفير الأميركي السابق لدى الأمم المتحدة جون بولتون خلفاً لماكماستر بعد أن أمضى في موقعه 11 شهراً منذ أن تولّى مهماته خلفاً لمايكل فلين الذي لم يستقرّ في موقعه سوى شهر واحد حيث استقال في 20 شباط من العام الماضي بعد شهر على تولّي ترامب مهماته الرئاسية في 20 كانون الثاني من العام نفسه.

بهذه المعادلة يتسلّح زوار واشنطن ويتوسّعون في شرح القرار الكبير الذي اتّخذه ترامب بتجديد الطاقم الحاكم الى جانبه بعد اسابيع قليلة على احتفاله بالسنة الأولى من دخوله الى البيت الأبيض وتحديداً معاونيه في الشؤون الديبلوماسية والأمنية والإستخبارية.

فقبل استدعاء بولتون الذي كاد أن ينساه الأميركيون منذ أن ترك منصبه في مجلس الأمن الدولي ولم يعد يقوم بأيّ نشاط سوى زياراته القليلة الى البيت الابيض للقاء بومبيو وماك ماستر من وقت لآخر قبل استدعائه ليتولّى رئاسة مجلس الأمن القومي في 9 نيسان المقبل.

وجاءت هذه الخطوة غير المفاجئة بعد أقل من عشرة ايام على استدعاء رئيس وكالة الاستخبارات المركزية مايك بومبيو ليتولّى مهمة وزير الخارجية خلفاً لتيلرسون الذي تبلّغ قرار عزله بواسطة تغريدة لترامب على موقعه الرسمي «تويتر» بطريقة اعتُبرت مهينة والتي قيست لاحقاً وتمّ تبريرها عند ربطها بحجم الخلافات بينهما على التوجّهات المعتدلة التي يقودها تيلرسون في ملفّي إيران وكوريا الشمالية وامتداداتهما على مساحة الأزمات الدولية.

وفي الوقت الذي ينتظر زوار واشنطن مزيداً من إجراءات العزل الأميركية في الفريق المحيط بترامب، يُتوقع أن يكون كبير موظفي البيت الأبيض جون كيلي الرجل التالي المعرّض للإستبدال في وقت ليس ببعيد. فقد توسّعت رقعة الخلافات معه عقب تصريحاته المثيرة للجدل في 2 آذار الجاري حول طريقة تعاطي إدارة ترامب وتعاملها مع المعلومات المصنّفة سرّية وحساسة والتي لم تكن بالمستوى المطلوب، وتمّ حجبُها لاحقاً عن صهره جاريد كوشنر بما فيها المعلومات التي تقدم دورياً إلى الرئيس.

على هذه الخلفيات، وعقب القرارات الأميركية الجديدة التي طاولت الأمن القومي فهم زوار واشنطن أخيراً ما كانوا اطّلعوا عليه من اشارات في دوائر مجلس الأمن القومي والبنتاغون التي تشير الى مزيد من التصعيد في الإجراءات العسكرية تجاه إيران بالدرجة الأولى وكوريا الشمالية وسوريا بالدرجة الثانية.

ويقول أحد العائدين من واشنطن، إنّ لغة الحرب في العاصمة الاميركية باتت على كل شفة ولسان بعدما تصاعدت لهجة التهديد عند الحديث عن الأزمة مع ايران وكوريا الشمالية وسوريا. ولذلك برّر البعض قرارات ترامب الأخيرة بإبعاد دعاة تغليب اللغة الديبلوماسية على أيّ خطوة عسكرية عن المواقع الحساسة. وهو نقاش واكب إبعاد تيلرسون عن وزارة الخارجية وماكماستر عن الأمن القومي، والإتيان ببومبيو وبولتون من المعسكر الداعي الى التدخل العسكري ليكونا في قلب القرار الأميركي.

فكل التقارير الديبلوماسية التي تتحدّث عن شخصية بومبيو قالت انه صاحب رأي مخالف لتيلرسون في الحلول المقترحة لردع ايران ووقف تدخّلها في سوريا وتحجيمه الى الحدود الدنيا. وهو ما انتهى اليه عقب التقارير التي رفعها تيلرسون الى ترامب وتحدّث فيها عن الفشل الروسي الأميركي المزدوج في وضع حدّ لتمادي ايران على الساحة السورية وعدم قدرة أيّ منهما على لجم هذا التطوّر السريع.

اما بولتون فله مواقفه السابقة التي لم يتراجع عنها يوماً، وهو نادى علناً قبل أن يتولّى موقعه بضرورة مواجهة إيران بلغة عسكرية لا ديبلوماسية لتقليص تأثيراتها في سوريا وبناء قدرات ميليشياتها العراقية والسورية واللبنانية وصولاً الى ضروة إسقاط النظام القائم في ايران.

ولذلك، يضيف زوار واشنطن، انّ القرارات الأخيرة التي قضت بتغيير نصف الفريق الحاكم الى جانب ترامب والإحتفاظ بوزير الدفاع الجنرال جيمس ماتيس من الثلاثي المقرِّر في الإدارة الأميركية يوحي بالتوجّه سريعاً الى الحرب في اكثر من منطقة، والتشدّد في مواجهة التوسّع الإيراني والصيني - الكوري الشمالي وتطورات الأزمة السورية.

فبولتون يفهم العقل السوري وسبق له أن تعاطى معه في اكثر من محطة اعقبت اغتيال الرئيس رفيق الحريري من خلال موقعه في الأمم المتحدة في المراحل التي شهدت ولادة القرارات الدولية من الـ1559 الى 1701 وما بينهما.

وينتهي زوار واشنطن الى خلاصة تشكل تقاطعاً ما بين قراءة المعلومات التي اطّلعوا عليها قبل ايام ونتائج القرارات الجديدة ففهموا ما سمعوه من اشارات تمهّد لضربة في سوريا. وخلصوا الى الدعوة الى مراقبة تحرّكات الأسطول الأميركي في البحر المتوسط لتقدير توقيتها في موعدين متوقعين.

فهل تكون قبل الإنتخابات النيابية فتعطلها؟ أم بعدها وقبل نقل السفارة الأميركية الى القدس فتؤجّلها؟ والى غضّ النظر الروسي المتوقع، إن صحّت المعلومات بفشل الروس في تأجيلها كما في «آب الكيماوي» 2013 سيعزّزها غياب دعاة المنطق الديبلوماسي تدريجاً عن الفريق الأميركي الجديد الحاكم راهناً.