ما لحس الأفرقاء تواقيعهم في لحظة بحث عن دولاب منقذ لهم من يمّ انتخابي سيكشف عن حجم كل طرف سياسي
 

جاء قانون الانتخاب النسبي كيّ يفرط عقد التحالفات القائمة ما بين المكونين الأساسيين للطبقة السياسية بعد أن عُمّدت الكثير من الاتفاقيات ومُهرت بإبهام من الدم لتوثيق تعاون بين ذات اليمين وذات الشمال صوناً لمصالح متعددة الأسنان، وقد ظنّ اللبنانيون بأنها تحالفات قائمة ما بقي الكيان، ولكن سرعان ما انكشف قصر حبال المودة وسرعان ما لحس الأفرقاء تواقيعهم في لحظة بحث عن دولاب منقذ لهم من يمّ انتخابي سيكشف عن حجم كل طرف سياسي في محيطه الطائفي.
باغت قانون الانتخاب الجميع فهمّت أحزاب الطوائف باستعراض قوتها الذاتية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للطائفة القابضة عليها، وصاغ الجميع تحالفات جديدة من خارج الاتفاقيات المبرمة ما بين القوى السياسية، فرأينا الحزب والتيّار الوطني على خلاف انتخابي في مناطق معينة، ولم يشفع لهما اتفاق هلّلوا له كما يهلّل المؤمنون للقداديس أيام العيد في الكنائس بل ذهب الحزبان ناحية تحالفات مع أعداء لهما واحتفلا بنفس الحماس الذي انتابهما لحظة توقيع الاتفاق ما بين رئيس التيّار وأمين الحزب.

إقرأ أيضًا: الشيوعي في النبطية حدادة وفي الزهراني غريب
لم يعد تيّار المستقبل مصدر الفساد السياسي والمالي بالنسبة للتيار الحرّ، ولم تعد فتوى تحريم التعاطي مع القوّات حاضرة وجاهزة على ألسنة الحزب، وكذلك حال التيّار والقوّات فلم يسعفهما اتفاق الرئاسة على استكمال خطط التعاون الانتخابي فذهب كل منهما في طريق معارض للآخر رغم ما قيل عن تحالفهما الدائم والمستمر حفظاً لقيامة المارد الماروني واستعادة الدور المسيحي القوي.
وهكذا حال الكتائب والقوّات، وقد تبيّن حجم الخلاف القائم بين الحزبين رغم ما يجمعهما من جذور ومن مشتركات في الرؤية السياسية وفي التعاون اليومي داخل أطر اجتماعية واحدة وداخل صف سياسي واحد وتبيّن بأن طلاقهما طوعي وليس قسري أيّ أنهما اختارا الخلاف الانتخابي على التعاون رغم ضرورة وضع الأيدي وخوض انتخابات ستكون لصالحهما اذا اجتمعا وستكون لصالح التيّار إن اختلفا وقد أفادا التيار في خلافهما ولم يستفيدا من تجربة التعاطي سوياً لربح معركة ليست بسهلة عليهما وهما معاً كيف وهما على موعد مع استحقاق سيأكل من رصيدهما لكونهما قد آثرا الطلاق الانتخابي.
يعاني تيّار المستقبل من كثرة المتصيدين السياسيين كونه خسر كل حلفائه السياسيين والانتخابيين وقد فرضت عليه الضرورات تقاسم حصته مع عدوه السياسي التيّار الوطني وهنا استبدل حليفه القوّاتي بعدوه السياسي في ظل تعدد ترشيحات سنية لقوى فاعلة ومؤثرة التقطت فرصة ضعف الحريري بعد أن فقد كامل رصيد الرئيس رفيق الحريري وفقد نصف الموقف السعودي المترقب لما ستكشف عنه الانتخابات من صعود وبروز لشخصيات سنية تعتبر أن الآوان قد حان لإعادة النظر في الحريرية السياسية بعد هزيمة مشروعها السياسي.

إقرأ أيضًا: هل طائرة باسيل من ورق؟
حتى التيارات الصغيرة فقدت هي الأخرى حاضنتها من قبل قوى الطوائف فبات القومي مرتبكاً في ظل عدم اكتراث الحزب له ولاق البعث نفس الحالة القومية بعد أن أصبح جميل السيّد ممثل الدولة القطرية وهو في رأس لائحة الحزب وتمّ إقصاء جهابذة البع، وهذا ما ينطبق أيضاً على التيارات الشخصية المسيحية الملتحقة بالتيار الوطني لركوب قطار الوصول الى البرلمان ويبدو أن البعض منهم على لائحة الانتظار لحرص التيّار على وصول الحزبيين دون الأصدقاء المبايعين، والأمثلة كثيرة ولا حصر لها وهي تشمل الجميع دون استثناء، لقد كشف قانون الانتخاب عن عمق الخلافات بين القوى التي تتدعي تحالفاً في المصير والشهادة وفضح اتفاقياتهم الفارغة من أيّ مضمون فعلي يجعل من التحالف الموقّع تعاوناً دائماً طالما له مبرراته وضروراته.
رحم الله الشاعر المبدع زين شعيب عندما قال لحليفه الشاعر الكناري زغلول الدامور وصديق عمره على آثر الحرب الأهلية: 
"يل كنت معنا وصرت مش معنا 
بتذكر أنا واياك كنا رفاق 
بالأمس كان الدّف يجمعنا 
الدّف انفخت وتفرّقوا العشاق".