توجس إيراني من نتائج زيارة الأمير محمد بن سلمان لواشنطن وسط حملة تجييش طائفي في النجف ضد السعودية
 

 يدرك كبار قادة الأحزاب والميليشيات الشيعية في العراق، والمعروفون بارتباطهم الكبير بإيران، أن أي معركة لتحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة ستخاض بشكل أساسي على الساحة العراقية ليس فقط لأنّها مثّلت البوابة الرئيسية لامتداد نفوذ طهران نحو عدد من الدول العربية، بل لأنّ هذا البلد الكبير والثري يمثّل أيضا “القطعة” الأثمن في منظومة “الدول التابعة” التي عملت إيران بحرص على إنشائها.

ولا يتوقّع هؤلاء القادة الذين يوصفون بأنّهم مأتمنون على حراسة النفوذ الإيراني في العراق حدوث تلك المعركة، بل يرون علامات على انطلاقها فعلا بتنسيق عال بين الولايات المتّحدة والمملكة العربية السعودية.

 
إجبار إيران على الانكفاء داخل حدودها وتحجيم نفوذها في المنطقة العربية يمران حتما عبر الساحة العراقية التي مثّلت منذ سنة 2003 جسرا للتمدّد الإيراني.. ذلك ما تدركه طهران وتحاول استباقه بتحريك أذرعها في العراق، وما تفهمه أيضا واشنطن والرياض وتعملان فعلا على تنفيذه بشكل تكاملي

وتنظر أوساط سياسية عراقية بحذر وترقّب إلى ما ستؤول إليه نتائج الزيارة الحالية التي يقوم بها ولي العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان إلى الولايات المتّحدة، في ظل رواج معلومات عن وجود الموضوع العراقي ضمن البنود الرئيسية لأجندة الزيارة.

وما يضاعف من انشغال تلك الأوساط بالزيارة ونتائجها، إمكانية أن تعقبها زيارة مماثلة من الأمير محمّد إلى العراق قبل الانتخابات المقرّرة لشهر مايو القادم.

وبدأت آثار الجهد السعودي الأميركي لمحاصرة النفوذ الإيراني في العراق تلمس على أرض الواقع من خلال مساعي واشنطن لتركيز وجود عسكري محدود ومركّز لها على الأراضي العراقية والسورية بهدف الفصل بين الساحتين، وقطع الطريق الذي عمل الإيرانيون على مدّه من طهران إلى بيروت مرورا بالعراق وسوريا، فيما شرعت السعودية في العودة إلى العراق، ليس بقوّة السلاح لكن بقوّة السياسة والمال والدبلوماسية حيث رفّعت من منسوب تواصلها مع حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي، وعرضت مساعدتها في إعادة إعمار المناطق المدمّرة من حرب داعش، واستعدادها للانخراط في جهود تنشيط الدورة التنموية والاقتصادية العراقية من خلال استثمارات مشتركة.

وجاء خبر الزيارة المحتملة لولي العهد السعودي إلى العراق، وإمكانية أن لا تقتصر على العاصمة بغداد وأن تشمل مدينة النجف المقدّسة لدى الشيعة ومقر المرجعية الشيعية العليا، بمثابة رسالة واضحة عن استعداد السعودية للحضور في مختلف المناطق العراقية بما في ذلك مناطق الشيعة الذين تعتبرهم إيران نقطة ارتكازها في العراق.

ورغم عدم صدور أي تأكيد رسمي للزيارة، فإن “معركة” سياسية وإعلامية انطلقت فعلا بأيدي حلفاء إيران في العراق ضدّ الزيارة، في محاولة لاستثارة المشاعر الطائفية وتجييش الشارع الشيعي، وبالأخص الشارع النجفي.

وانتشرت في النجف خلال الأيام الماضية لافتات تهاجم الزيارة المحتملة، وتدعو السكان إلى التظاهر ضدها، فيما نشر مدونون عراقيون معروفون بولائهم لإيران، معلومات عمّا سمّوه “رفض المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني استقبال ولي العهد السعودي”، وهو ما لم تعبّر عنه المرجعية بأي شكل من الأشكال، فيما استبعد مراقبون صدور مثل هذا الموقف الحادّ عن المرجعية لما يحمله من معان سلبية ذات إيحاءات طائفية.

وتقود حملة رفض الزيارة حركة عصائب أهل الحق، بزعامة قيس الخزعلي الذي يعتبر من صقور الموالاة لإيران. وحملت اللافتات نفسا طائفيا واضحا واتهامات للقيادة السعودية بمعاداة آل البيت.

وبالرغم من أن اللافتات وزعت في بعض تقاطعات النجف الرئيسية وحملت تواقيع عشائر ومناطق في المحافظة إلا أنّ الجهة المسؤولة عن نشرها ظلّت مجهولة.

وروجت حسابات مجهولة على مواقع التواصل الاجتماعي شعارات تقول إن “أهالي النجف الأشرف ينتفضون غضبا واستنكارا لزيارة محمد بن سلمان ويعلنون رفضهم لاستقباله”.

إيران متنفذة في كل شيء
إيران متنفذة في كل شيء
لكن سكان النجف لم يلحظوا أي تظاهرة في المدينة، فيما استغربوا انتشار هذه اللافتات والمعلومات. وذهب مدونون عراقيون إلى إدانة “محاولة جهات مجهولة للتأثير على السياسة الخارجية التي ترسمها وتنفذها الحكومة العراقية”.

وكتب أحد هؤلاء على فيسبوك أن “تطوع بعض الشخصيات للحديث باسم مدينة النجف، هو محاولة لتوريطها في مواقف سياسية لا شأن لها بها”.

ونفى مقربون من مكتب السيستاني صدور أي توجيهات بشأن استقبال ولي العهد السعودي. وقال هؤلاء إن الموافقة على فتح قنصلية سعودية في النجف، تقع ضمن اختصاصات الحكومة الاتحادية، ولا يحق لأي جهة أخرى التدخل في هذا الملف.

ونقلت مصادر مطلعة في النجف أن أحد مراجعها الأربعة، طلب من القنصلية الإيرانية في المدينة الكف عن محاولة تأليب الشارع ضد السعودية. وتقول المصادر إن طهران ممتعضة من الموافقة العراقية على فتح قنصلية سعودية في النجف.

وتضيف أن القنصل الإيراني في المدينة زار أحد مراجع الدين الأربعة الكبار لشيعة العراق، ليسجّل اعتراضه على افتتاح قنصلية سعودية، مشيرة إلى أن المرجع أبلغ القنصل بأن هذا الأمر هو اختصاص حصري للحكومة العراقية، وبإمكانه الذهاب إلى بغداد لتسجيل اعتراضه.

ويرصد مراقبون تحوّل موضوع علاقات العراق بالسعودية إلى ملف انتخابي لدى أطراف سياسية مرشحة لانتخابات مايو القادم. وقال المحلل السياسي العراقي محسد جمال الدين إن “ملف العلاقات الخارجية للعراق لا يمكن أن يتحول إلى برنامج انتخابي لحزب ما”.

وتسعى أطراف شيعية موالية لإيران إلى استنهاض المشاعر المتطرفة لدى جانب من الجمهور العراقي، عبر التخويف من التقارب العراقي السعودي.

وبحسب مراقبين، فإن هذه الأطراف ليس لديها ما تقوله للناخب العراقي سوى محاولة إقناعه بانتخابها حتى “تحميه” من السعودية. لكّن الشارع الشيعي لا يبدو مكترثا للشعارات المرفوعة منذ سنة 2003 دون أن يرى لها أي فائدة في تحسين أوضاعه المتردّية، فيما يبدو له أنّ التقارب مع السعودية يمكن أن يحمل فوائد ذات أثر مباشر على الواقع.

ولم تخل حملة عصائب أهل الحقّ ضدّ المملكة العربية السعودية من حرج كبير للحركة ذاتها، حين استعاد مدونون عراقيون تسجيلا مصوّرا لزعيم العصائب قيس الخزعلي، يعود إلى سنوات مضت يتحدث فيها عن دور قطر في دعم الإرهاب، نافيا أن تكون السعودية متورطة في ذلك، متسائلين عمّا إذا كان هناك دور لقطر في عملية التجييش الطائفي ضدّ زيارة الأمير محمّد بن سلمان المحتملة لبغداد والنجف، على اعتبار الدوحة تعيش حالة فريدة من الوفاق مع طهران وتناغما غير مسبوق مع سياساتها.