ما جرى في البوسنة والهرسك لا شيء أمام ما يجري يومياً في الغوطة الشرقية
 

إنها كارثة كبرى ومجزرة كبيرة من مجازر التاريخ قلّ ما شهد تاريخ الحروب بشاعة ببشاعة القتل اليومي للناس المختبئين في أكواخهم وقلّ ما شهد الموت موتاً شبيهاً بالموت القائم في الغوطة الشرقية وقلّ ما شهد البشر هذا النوع من الاستخدام الصاروخي المتطور روسياً في رقعة صغيرة لا قدرة لها على ردّ عدوان الطائرات والصواريخ سوى بصبر سكانها على الموت الجماعي والذي يحصد أعداداً هائلة من الأطفال من فقراء أحياء دمشق ممن ولدوا في حاويات الفقر ولم يعرفوا طعم الحياة وقد لدوا أذلاّء في نظام لا يعرف سوى سياسة العصا وسياسة الإفقار للسوريين والتخمة للحاشية من أهل الأمن والعسكر وأرباب الأموال.
حتى ما جرى في أذربيجان متواضع جداً أمام ما يجري في الغوطة السورية وما جرى في البوسنة والهرسك لا شيء أمام ما يجري يومياً في الغوطة الشرقية فبيوت تُدك على ساكنيها وهم بالمئات وقد تكون الغوطة من أكثر المدن المؤهلة بالسكان فلا توجد كثافة هائلة قادرة على العيش في مربعات من الأمتار وبأسوأ أنواع وظروف العيش خاصة و أن حصارها ومن ثمّ استهدافها وتدميرها جعل منها مجرّد أطلال لا هيكل لها.

إقرأ أيضًا: صاروخ أميركي يستهدف الأسد!
توابيت الموت وطوابيره علامة النصر الروسي في الغوطة لا شيء في الغوطة يتحرّك الكل موتى والمجتمع الدولي مندهش لآلة القتل الروسي، فقط يندهش المندهشون الدوليون ولا يقدمون على خطوة تجاه من تبقى نصف حيَ في المدينة ويتركون للروس ساحة افتراس السوريين وإذلالهم وتشريدهم وتقتيلهم والعبث بأمنهم وجعلهم شذاذ آفاق لا مكان يأويهم ولا سقف يجمع بينهم وكأنه يخوض معارك الوجود من أجل تثبيت قوته في العالم دون قيد أو رادع دولي وعلى حساب من ؟ على حساب السوريين طبعاً ودون غيرهم، فهم وحدهم يدفعون فاتورة القوّة الروسية في المنطقة والتي تبذل كامل قوتها لكسب نصر يستدعي دوراً ثابتاً لروسيا في الأمن وفي المسؤولية الدولية وهذا ما يلبي حاجة روسيا الى ثروات المنطقة من باب الشراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية ومن هنا يعلو الصوت الروسي في وجه أميركا وتحذرها من ضرب دمشق أو من إستدعاء حرب على حلفاء روسيا الأمر الذي سيكلف واشنطن الكثير من الخسائر اذا ما اعتقدت أن بامكانها تغيير المعادلة الجديدة في سورية بعد هزيمة مشروع اسقاط النظام السوري وفوز مشروع بقاء الأسد في سلطة مخرومة.

إقرأ أيضًا: تيريزا ماي تصفع قفا بوتين وتعلم العرب درسًا في السياسة
هذه العنترية الروسية صحيحة طالما أن أميركا متراجعة عن خطوة متقدمة تجاه سورية وطالما أن ترمب على سياسة أوباما في سورية ولا جديد في السياسة الأمريكية ولكن اذا ما نشأت تغيرات ما وطرأ طارىء على السياسة الأمريكية وبات التواجد الأميركي المحدود في سورية يتسع لصالح رؤية سياسية تعكس مصالح غير روسية ساعتئذ تصبح العنترية الروسية محل اختبار حقيقي وتجربة الروس مع الأمريكيين مرّة فهم هربوا من الميدان يوم هدد ترمب بقصف دمشق على خلفية استخدام النظام للسلاح الكيماوي وقال الروس حينها لا طاقة لنا على مواجهة أميركا وتكلفت روسيا بتسليم السلاح السوري لأميركا كي تنقذ النظام من ضربة مسقطة له ومن ثم جعجعت روسيا عندما ضربت الولايات المتحدة المطارات السورية ونالت الطائرات الروسية نصيبها من الضربة ولم تردّ على الردّ الأميركي وبالتالي لم تقدم روسيا على أي عمل ضد التواجد الأميركي في سورية فقواعدها تتمتع بأمن مطلق ولا (بتون) ذبابة للنظام  من فوق القواعد الأمريكية رغم أن روسيا تحمّل أميركا مسؤولية دعم المسلحين الارهابيين وضرب الحلول السياسية ومع ذلك تقصف روسيا يومياً المعارضة ولا تُقدم على ضرب أميركا المسؤولة عن دعم المعارضة من هنا باستطاعة روسيا ضرب الضعفاء ولا تستطيع ضرب الأقوياء لذا عنترياتها فارغة وهي تشبه عنتريات حلفائها الذين رموا "اسرئيل" بالبحر منذ ما يزيد عن أربعين سنة.