لم يعد الحديث عن ارتكابات انتخابية محصوراً داخل الغرف السرّية وصالونات السياسيين، صار الكلام على المكشوف عمّا يقوم به بعض الاطراف، والنافر انّ من بينهم نافذين في السلطة واصحاب مقامات رفيعة خلعوا لباس حياديتهم التي يوجبها مقامهم، ونزلوا بقَدّهم وقديدهم الى حلبة الانتخابات للمصارعة على مقعد هنا ومقعد هناك.
 

حال هؤلاء النافذين صارت محل تَندّر بين الناس، الذين فوجئوا بهم يتركون هموم الدولة وينزلون من عليائهم الى مستوى رئيس ماكينة انتخابية ويتواصلون شخصياً مع مفتاح انتخابي، ومختار، ورئيس بلدية، والهدف الاساس تقليبهم على مرجعياتهم ودفعهم الى خيانتهم، والّا الويل والثبور وعظائم الامور.

صارت واضحة للعيان، الطريقة التي يتبعها بعض الاطراف في صياغة تحالفاتهم؛ على عينك يا تاجر، نفس إستئثاري، إلغائي، إقصائي، و«فجع» غير مسبوق لاحتكار التمثيل وابتلاع المقاعد،على حساب كل الآخرين. وصار مكشوفاً ما يواكبها من مداخلات أحد الاجهزة، وعمليات صرف نفوذ في بعض الادارات والمؤسسات والوزارات، اضافة الى تشويه الاستحقاق الانتخابي بفَرض «تسعيرة» للدخول الى اللوائح، وتراوحت في بعض الدوائر بين مليونين وثلاثة وخمسة ملايين دولار. وبـ«المال الانتخابي الإغرائي» الذي يُدفع للقبول بمرشّح معيّن وتنسيبه الى اللائحة، او لاستبدال مرشح بآخر. امّا أين تذهب هذه الاموال؟ فالعلم عند «صاحب اللائحة».

هذا الواقع ينزع ورقة التوت عن شعارات العفّة والنزاهة والعدالة والشفافية التي شكّلت مصيدة أوقعوا الناس فيها فصدّقوها، فإذا بها كلام فارغ يناقض مندرجات القانون الانتخابي التي توجب التقيّد بها والعمل وفقها، وتحظّر مخالفتها وتمنع كل اساليب التحايل عليها بأداء يضرب بالقانون عرض الحائط، ويؤسس لانتخابات مشوّهة سلفاً، وعرضة للتشكيك بها، وكذلك عرضة للسخرية من بعض أعضاء اللوائح التي ركبّهم فيها المال الانتخابي، بينما هم لا ميزة سياسية او فكرية او ثقافية يمكن ان يفاخروا فيها سوى انّ «قجّتهم» طافحة بالملايين والعقارات والشيكات الـ»برصيد» والـ«بلا رصيد»!

مع إنجاز القانون، أريد للانتخابات ان تكون نزيهة ومعبّرة بصدق عمّا يريده الناس، ويختارون فيها من يمثّلهم بحرّية. وحظر القانون ما يؤدي الى تشويهها، او يجعلها عرضة للطعن بها. لكنّ الكلام على الورق شيء، والممارسات على الارض شيء آخر.

فما يجري ويتداول به من ارتكابات يضرب هذا الهدف، وثمّة من يقول انّ ما تكشّف من ارتكابات هو غيض من فيض يحصل في اكثر من مكان، وصالونات السياسيين تعبق بكلام كثير حول ارتكابات وتشويهات أدهى بكثير من تلك التي يتداولها الناس.

هذا الواقع يتطلّب جرأة من هيئة الاشراف على الانتخابات لمقاربته من دون مراعاة أيّ اعتبارات لأيّ كان. علماً انّ الارتكابات التي لها أنصارها ومن يجيزها ويبرّرها بأنها من عدة الشغل الانتخابي المُباح والطبيعي، غير مقبولة لدى الشريحة الواسعة من اللبنانيين، ومرفوضة من قبل الشريحة الواسعة من السياسيين.

هنا، عندما يسأل الرئيس نبيه بري رأيه في ما يُقال عن ارتكابات، لا يدخل في اي تفاصيل، لكنه يكتفي بالقول: سَعينا عبر القانون الانتخابي الجديد لأن نفتح امام اللبنانيين نافذة يعبرون منها نحو انتخابات عادلة ونزيهة بما يؤدي الى تمثيل صحيح ويحقّق تكافؤ الفرص امام الجميع من دون استثناء.

بالتأكيد، في رأي بري، كان طموحنا اكبر، لكننا وصلنا في النهاية الى هذا القانون الذي هو أفضل الموجود وافضل المُمكن. وستجري الانتخابات على أساسه، وعلى هذا الاساس ايضاً تجري التحضيرات للانتخابات من كل الاطراف، وموقفي معروف ولم أحِد عنه ولن أحيد، وهو انني مع انتخابات نظيفة بكل معنى الكلمة، تجري بكل حرية ولا تشوبها شائبة ولا اي تشويه لمسارها او للتحضيرات المرتبطة بها، ولطالما ناديتُ في السابق، ورفعتً شعار «لا تشوّهوا الانتخابات»، وقلت: دعونا نجعل الانتخابات فرصة للانتقال ببلدنا الى برّ الامان، وهذا برأيي ما يجب ان يحصل»، وأكرر الآن وأقول: يجب ان نحمي الانتخابات، ليس في الأمن فقط، بل ان نحمي مصداقيتها ونظافتها، والنأي بها عمّا يمكن ان يشوّهها.

واضح انّ بري يسير عكس سَير المتشائمين الذين ارتفعت اصواتهم في الآونة الاخيرة تشكيكاً بإمكان إجراء الانتخابات في موعدها، وربطوا ذلك بمخاوف من تطورات إقليمية ودولية يمكن ان تأخذ طابعاً عسكرياً خطيراً في الميدان السوري يهدّد بانسحاب مفاعيله التوتيرية والتصعيدية على لبنان.

وهنا يقول بري: لا ارى ما يجعلني أخشى على الانتخابات، سبق وقلت واكرر انّ الانتخابات اصبحت امراً واقعاً ًوستجري من دون شك في موعدها المحدد، وسبق ان قلت من يفكر غير ذلك فليخيّط بغَير هالمسلّة، انا مطمئن الى الانتخابات وعلى يقين ان ليس هناك ما يؤدي الى تعطيلها او تأجيلها او التأثير عليها.

علماً انّ هناك من يتخوّف من انّ المنطقة مُقبلة على تطورات خطيرة وضربة اميركية لسوريا، لكنني شخصياً لا اقول انني متخوّف، بل اقول انّ الاميركيين، وقبل كل شيء تعنيهم مصلحة اسرائيل، ولا يمكن ان يُقدم الاميركيون على اي خطوة إن لم يكونوا مؤمّنين لأمن اسرائيل، فعندما تضرب سوريا مثلاً، سيحسب حساب ما سيحصل في منطقة اخرى.

بري الذي يقود انتخاباته من المصيلح، وهناك تبدو عليه جليّة وبكل وضوح، حيوية التواصل المباشر مع الناس، الذي يَرسم فيه خريطة الاستحقاق التي تبدأ وتنتهي عند الحَثّ على المشاركة الكثيفة في الاقتراع بأعلى نسبة ممكنة.

هو يفتقد فقط لـ«تِمشاية الساعة 6» في عين التينة، لكنه يحاول تعويضها بشبه «تِمشاية» في حديقة دار المصيلح، وبـ»تمشاية الطالع نازل» من الدار الى قاعة ادهم خنجر. وينتظر انتهاء اللجنة المالية من درس الموازنة لإقرارها في الهيئة العامة للمجلس في مهلة حَدّدها بري قبل عيد الفصح.

وامّا في مكان آخر فلم يُخرج بواخر الكهرباء من دائرة الاعتراض الشديد عليها. «قلتُ وسأبقى اقول انّ هذه المسألة فيها هدر حتى لا أقول «شيئاً آخر»، سنعارضها وسنبقى نعارضها كما سنعارض ايّ مسألة اخرى نرى فيها هدراً، سنعارض وسيقولون إننا نعرقل، فليقولوا ما يشاؤون وما يحلو لهم، هذا الامر لا يمكن ان نقبل به. ربما يأخذونها بالتصويت، فليفعلوا، ولكن بغير موافقتنا».