يحار البعض في سر الالتقاء بين روسيا وإيران ونظام الأسد. وأساس الحيرة وجود تباينات آيديولوجية وسياسية، إن لم تشكل عوامل صراع وتناقض بين الأطراف الثلاثة فهي على الأقل تمنع قيام مثل هذا الالتقاء فيما بينها بخلاف ما هو قائم واقعياً في سوريا، التي أصبحت ميداناً يجسد هذا الالتقاء في صراع على سوريا، ويجسد في مستوى آخر تحدياً ظاهراً للمجتمع الدولي بمؤسساته وقيمه المشتركة.
بالنسبة لإيران فقد شهدت ثورة شعبية واسعة على نظام الشاه محمد رضا بهلوي في عام 1979، ما لبث الملالي أن استفردوا بالسلطة فيها بعد تصفية حلفائهم في تلك الثورة، قبل أن ينتقلوا إلى صراعاتهم الداخلية، فيقوم التيار الأكثر تطرفاً بتصفية شركائه من رجال البازار بالقتل أو الإبعاد أو التهميش، أو بفرض الإقامات الجبرية، والشواهد في ذلك أكثر من أن تعد أو تحصى، وقد جرت فصول التصفيات في ظل أمرين اثنين؛ العمل على تصدير الثورة الإيرانية بهدف تشييع المحيط من جهة، وحروب وتدخلات خارجية في مستوى الإقليم، تم خلالها بناء أدوات عسكرية/ أمنية وميليشيات، ترتبط مباشرة بمركز السلطة في الدولة ممثلاً بالمرشد الذي يتمتع بسلطة مطلقة، تتجاوز الهياكل المؤسسية للدولة الإيرانية بما فيها الدستور والسلطة التنفيذية القائمة حسب المعلن على أساس الانتخابات.
وبالتوازي مع خط الانتقال نحو تضييق طيف السلطة الحاكمة في طهران، تواصلت تنمية أدوات السيطرة العسكرية/ الأمنية، وجرى توسيع طيف الميليشيات التابعة في الخارج، للسهر على مهمتين أساسيتين؛ أولهما القمع الوحشي لأي حراك سياسي أو اجتماعي/ ثقافي في إيران، يمكن أن يؤدي إلى تغيير النظام أو إحداث إصلاحات فيه على نحو ما حصل في ثورة عام 2009 أو في انتفاضة المدن الإيرانية 2008 اللتين تم سحقهما بمنتهى التشدد والوحشية، وهو السلوك ذاته الذي مارسته الميليشيات التابعة لإيران في البلدان الموجودة فيها من العراق وميليشياته كما في مثال «الحشد الشعبي»، إلى لبنان ومثاله «حزب الله» اللبناني، وصولاً إلى اليمن وميليشيات الحوثي، وقد تكرس حضورها ودورها الإجرامي مع ميليشيات أخرى في سوريا بالقتال، إلى جانب نظام الأسد طوال سنوات ماضية.
ولم تكن روسيا الاتحادية بعيدة عن نسق التطور الإيراني؛ لقد استغلت أقلية السلطة الصاعدة على الجثة السوفياتية ارتكابات الأخيرة وحاجة الروس إلى نظام وحياة جديدة، لتفرض هيمنتها وفق شعارات آيديولوجية/ دعاوية، ثم سلمت البلاد إلى أقلية أكثر قدرة وتنظيماً، تستمد تجربتها من جهاز الأمن وعلاقاته، وكان بوتين على رأس الأقلية الجديدة، وعزز بوتين سلطته بتقوية دور الجيش والأمن والشركات الأمنية في الحياة الروسية، وفرض سيطرته المطلقة على الإعلام، وكثف الجهود في تطوير الصناعات العسكرية، أما بالنسبة لنظام الأسد الذي يمكن اعتباره النموذج الأبرز في التوحش، لما كرسه طوال نحو أربعين عاماً من حكم أقلي استبدادي، قام على الوحشية في تفكيره وسياساته وأساليبه وأدواته، وقد استخدمها جميعاً على نطاق واسع في المستويين الداخلي والخارجي، ضارباً عرض الحائط بكل ما بنى السوريون من ملامح الدولة ومؤسساتها، واستبدل بها بنية عصابة النهب المنظم، التي تحكم مجتمعاً مهمشاً بالقوة العسكرية/ الأمنية، ومسيطراً عليه بآيديولوجيا/ دعاوية لا مصداقية لها.
لقد كرس نظام الأسد من الأب إلى الابن الوحشية في علاقته مع السوريين وفي حياتهم من تهميش وإقصاء وملاحقة وسجن وقتل لمعارضيه، إضافة إلى مذابح تكررت على مدى عقود حكم طويلة، آخرها ما يحصل متواصلاً ومتصاعداً منذ سبع سنوات، استدعى خلالها من يشاركه فيها من دول وميليشيات مسار توحش ليس له ما يماثله في التاريخ، ولم يقتصر المسار في تطبيقاته على السوريين، بل امتد إلى حيث استطاعت يد النظام الوصول إليه من بلدان وساحات أخرى.
وهكذا أصبحت سوريا ساحة وبخاصة للنظام الإيراني الذي يسعى للهيمنة على الدول العربية، وقد مهد له النظام السوري هذا الأمر، فها هو ذا يفتك بسوريا ويتخذها معقلا له.