سيكتسح المسيحيون الأصوات والمجلس في الانتخابات النيابية المقبلة. هذا ما تراءى للمواطن اللبناني وللمراقبين وللمحلّلين غداة توقيع ورقة التفاهم بين «التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية» في ليلة عاصفة من كانون، قبل سنتين وشهرين من اليوم وتحديداً في الثامن عشر من كانون الثاني 2016، الحدثُ التاريخي الذي ألهب أكفّ بعض المناصرين ألهب أيضاً قلوبَ البعض الآخر
 

إلّا أنّ حسابات الحقل لم تنطبق على حسابات البيدر، فبعد أن احتار معظم قادة المسيحيين المستقلين في أمرهم وقلق آخرون على مصيرهم من الثنائي المسيحي الأقوى الذي روّج اكتساحاً نيابياً وضموراً للأحزاب المسيحية الأخرى، وروّج أيضاً إقفالاً لبيوتات العائلات المسيحية المستقلة، أطلّ القانوُن الغريب بتحالفاته العجيبة والمغايرة للواقع السياسي اللبناني ولتموضع السياسيين على الساحة الآذارية، فأسقط أعرافاً ومبادئ وسيادة واستقلالاً وأصاب البعض بالخيبة.

القانون الجديد فرض تحالف الأضداد وفرّق العائلات وأعاد شمل الأعداء، فخيّب أمل المتفاهمين في ليلة عاصفة في معراب واصفرّت الورقة قبل سقوطها وقبل الخريف الثالث لتاريخ التفاهم المسيحي الأقوى الذي فرّقه القانونُ الأقوى.

وفي الوقائع الانتخابية سقوطٌ لشعرة معاوية ولورقة التفاهم العونية القواتية وسقوط الأمل الكبير بالتحالف المسيحي العظيم الذي لا يُقهر وهو تحالف «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» في مختلف الدوائر الانتخابية، الحقيقة التي شكّلت صدمةً إضافيةً للمطالبين بالترجمة العمَلية لورقة التفاهم بين «القوات» و«التيار».

في الماضي القريب، حين سُئِلت «القوات اللبنانية» و«أخاها المفترَض» «التيار الوطني الحر» عن الأهداف المرجوّة من ورقة التفاهم وعن المشهديّة الإعلامية في شرب نخبها في معراب، كان الجوابُ موحّداً «للضرورات المسيحية والرئاسية ولطيّ صفحة الماضي الأليمة ولإرساء دعائم المستقبل المسيحي الواعد بين الإخوة».

كما قيل أيضاً وكُتب أنّ مِن أبرز إيجابيات هذه الورقة هو التحالف الانتخابي المسيحي أو الثنائي المسيحي الأقوى الذي ستُنتجه ورقةُ التفاهم بين «القوات» و«التيار» في الانتخابات النيابية المقبلة، وذلك بغية استرجاع حقوق المسيحيين وصحّة تمثيلهم وإنصافهم بالإضافة الى تحسين صوتهم وتصويتهم...

القانونُ أقوى من التفاهم

إلّاَ أنّ الوقائع الإنتخابية الحالية تشير الى عكس ذلك. وهي أدهشت الحلفاء والأخصام إذ لم يتوقّع أيٌّ من المراقبين أن تصل القطيعةُ بين «القوات» و«التيار» الى هذا الحد، ولم يتصوّر أحدٌ أن يؤدّي ظلمُ هذا القانون الى فَرض قطيعةٍ بين المتفاهمين الجدد وأن يؤدّي الى استحالة التحالف بينهم حتى في ابسط الدوائر.

وإذ يستغرب المراقبون والمناصرون من المشهديّة الظلامية غير المنتظرة للثنائي المسيحي الأقوى، تزداد خيبتُهم وتضعف آمالهم في مسيرة استكمال المصالحات المسيحية بعد أن تلمّسوا نتائج نموذج ورقة التفاهم التي ما زالت حتى الساعة حبراً على ورق، وجاءت ترجمتُها معاكِسةً لأهدافها وتحديداً لأهدافها البعيدة المدى، إذ لا يمكن إغفالُ دورها في قيام الانتخابات الرئاسية.

أمّا الخيبةُ الأخرى فسيجنيها أنصارُ «ثورة الأرز» الذين سيفتقدون الى العناوين الانتخابية السيادية الداعية الى الحرّية والاستقلال وتوحيد البندقية بيد الجيش وإرساء الاستراتيجية الدفاعية، لأنهم لن يستمتعوا بالأناشيد الثورية الانتخابية ولن يهلّلوا لخطابات صقور 14 آذار التي تتهاوى الواحدة بعد الأخرى بعد أن أغرقها القانونُ وتفاصيلُه ومصالحُها الانتخابية..

بعد طولِ انتظار وُعِد أنصارُ أبطال التفاهمات الجديدة بمشهديّة شبك الأيادي الانتخابية المسيحية الأقوى في مهرجاناتٍ سيادية لإعلان التحالف بينهم، إلّا أنهم صُدموا بالشعائر الملوّنة والعناوين الفضفاضة التي تغوص في تفاصيل تنموية وبيئية لتتهرَّب من العناوين السيادية...

وبالعودة الى التفاهمات المسيحية، وبعد تأكيد المؤكّد أي عدم تحالف «القوات اللبنانية» مع «التيار الوطني الحر» في مختلف الدوائر اللبنانية، بل استحالة تحالفهما الموعود، تبقى مشهديّة ورقة التفاهم في معراب بالبال لتؤخَذ العبر.

وتبقى أيضاً مشهدية تعيد وميض الأمل متمثلة بتحالف «القوات اللبنانية» و«الكتائب اللبنانية» في الدائرة الأولى لبيروت ودائرة زحلة، وهي تجسّد صورةً مصغّرة لما يرجوه فعلاً المسيحيون وأمانيهم في أن تتوسّع تلك المشهدية لتشملَ الأحزاب المسيحية كافة، وتضمّ اليها أيضاً القيادات المسيحية التاريخية التي ستجسّد مجتمعةً الفرق في تكوين الكتلة المسيحية الأقوى في مجلسٍ نيابيّ اشتاق الى أصواتٍ مسيحيّة مدجّجة بقول الحق واشتاق الى عناق الإخوة إلّا أنه تفاجأ بالمبايعة المموَّهة والتصفيق المشبوه ...

التمثيل المسيحي:

أظهرت الاستطلاعات منذ شهرين أصواتاً تنادي بالاقتراع بورقة بيضاء اعتراضاً على القانون الذي فرض إلزامية الصوت التفضيلي وفرض معه التصويت للّائحة بالكامل، إلّا أنّ المعلومات الحديثة تكشف أنّ الرغبة المسيحية في عدم الاقتراع، وليس الاقتراع بورقة بيضاء وفي غالبية الأقضية، واردة وترتفع نسبتُها يومياً بسبب عوامل عدة:

- الامتناع عن الاقتراع بالكامل سيخفّض الحواصل الانتخابية ولو بنسب ضئيلة قد تؤثر سلباً أو إيجاباً على اللوائح المركبة من الفرقاء كافة الذين لا تجمعهم سوى مصالحهم الانتخابية وليس العقائدية.

- عدم رغبتها في إعلاء الحاصل الانتخابي الذي سيخدم أحزاب السلطة وواضعي القانون الملزم.

- الامتناع عن الاقتراع من شانه أن يرفع نسبة الطعون في الانتخابات المقبلة التي كثر الحديث أخيراً عن النسبة المتزايدة في إمكانية حصولها لجهة ضخّ الأموال وتوزيعها وفرضها على المرشحين، وأيضاً لناحية تعاطي رؤساء اللوائح مع المرشحين المفترَضين والإشتراط عليهم دفع الأموال الطائلة، اضافة الى غياب الثوابت.

ويبقى إطلاقُ اللوائح الإنتخابية من المناطق الأثرية والرسمية والترويح لها من المشاهد الفاضحة التي تستعجل الطعنَ وتؤكّد حصوله لأنه منافٍ للدستور، في ظلّ غيابٍ لافتٍ للهيئة العليا المشرِفة على الانتخابات والتي اكتفت بشعار «لا تعليق» على التجاوزات، فهل يكون الآتي مشرِّفاً؟ ومَن سيسبق هيئة الإشراف الطعون؟ أم المقاطعون؟