وجود العبادي في القيادة رغم انتهازيته السياسية ومحاولته احتضان الصيف والشتاء معا، يعني حرمان السياسيين الأكثر منه طائفية وعدوانية، كنوري المالكي وهادي العامري وأبومهدي المهندس، من تسلم القيادة
 

مقدما، ينبغي الاعتراف بأن محاولة دول الخليج العربية، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، العودة الناعمة إلى العراق، رغم أنها جاءت متأخرة خمس عشرة سنة، تبقى خطوة هامة ونافعة لا تخدم أمنها الوطني، فقط، بل هي خدمة مهمة تقدم للشعب العراقي تعينه في صراعه من أجل حريته وكرامته وأمنه، وتعزز صموده في مقاومة الاحتلال والفساد والعزلة.

والذي لا يحتاج لبيان هو أن الصراع الخفي والمعلن في العراق اليوم جارٍ بين معسكرين، معسكر المحتل الإيراني ووكلائه العراقيين الطائفيين الأكثر فارسية من الفرس أنفسهم، ومعسكر العراقيين الوطنيين الذين لا يملكون لمقاومة هذا الكابوس سوى التظاهرات السلمية الغاضبة والاعتصامات في بغداد وأغلب محافظات الوسط والجنوب، وحملات المثقفين العراقيين التنويرية الهادفة لتثوير جماهير المقترعين وحثها على معاقبة مرشحي إيران، وعدم تمكينهم من الهيمنة على البرلمان القادم، أو على الأقل إضعاف هيمنتهم عليه.

وأغلب الظن أن أميركا ودول الخليج العربية إضافة إلى دول أوروبية أخرى حين تبذل قصارى جهودها لضمان فوز حيدر العبادي وتمكينه من البقاء بمنصبه دورة ثانية ليس لأنها تؤمن بأنه الأصلح والأكثر وطنية وعروبة ونزاهة، ولكن لأنها لا تملك غيره لسد الطريق على من يجاهرون بطائفيتهم، ويزايدون حتى على قادة النظام الإيراني في العمل على إبقاء العراق معزولا عن أمته ومحيطه، بأي ثمن.

بعبارة أخرى، ترى الدول العربية وأميركا وأوروبا أن عراق اليوم هو عراق نمو الغضب الشعبي الوطني في ظل حكومة حيدر العبادي التأجيلية الترقيعية، وأن بقاء الحال على ما هو عليه أربع سنوات أخرى قادمة لا بد أن يمنح الشعب العراقي وقتا كافيا لبناء جبهته الوطنية القوية الموحدة العابرة للطوائف.

ومما لا شك فيه أن وجود العبادي في القيادة رغم انتهازيته السياسية ومحاولته احتضان الصيف والشتاء معا، يعني حرمان السياسيين الأكثر منه طائفية وعدوانية، كنوري المالكي وهادي العامري وأبومهدي المهندس، من تسلم القيادة، وإطباق اليد الإيرانية على قواه العسكرية والجغرافية والمالية، فتصبح أكثر قدرة على تصدير إرهابها منه إلى دول الجوار، وهو ما يعني زعزعة أمن دول الإقليم واستقرارها، وفي مقدمتها دول الخليج، وهو ما لا تريده القوى الغربية الحريصة على مصالحها في المنطقة.

الأمر الذي لا يحتاج إلى شرح أن حيدر العبادي ليس الحاكم الديمقراطي الوطني  القادر على الإفلات من القبضة الإيرانية الحاكمة الحقيقية في العراق، والاستدارة نحو دول الخليج وأميركا، دون رضا القيادة الإيرانية وتوجيهاتها. وقد أعلن أكثر من مرة أنه لن يتخلى عن حزبه. ولا يجهل أحد أن (حزبه) كان ولا يزال الأكثر إيمانا بولاية الفقيه، والمدلل الحائز على رضا النظام الإيراني الذي سلطه على جميع أحزاب البيت الشيعي الأخرى وائتمنه على خدمة مخططاته وأهدافه التوسعية من العام 2003 وإلى اليوم.

والخلاصة التي ينبغي أن نختم بها هذا المقال هي أن حيدر العبادي أهون الشريرين الكثيرين الآخرين. وهذا هو المطلوب، على الأقل في المدى المنظور.