في بعض الكواليس الدبلوماسية كلام كثير عن التصعيد المرتقب في المنطقة. منذ إقالة وزير الخارجية الأميركية ريكس تيلرسون، وتعيين متشدد مكانه، بدأت التحليلات تكثر حول احتمال ذهاب المنطقة نحو تحولات دراماتيكية، قد تؤدي إلى تصعيد عسكري ضد إيران، خصوصاً أن بعض التحليلات تشير إلى أن الخلاف بين تيلرسون والرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن العلاقة مع إيران والاتفاق النووي، أسهما في اتخاذ ترامب قراراه بتعيين مايكل بومبيو وزيراً للخارجية.

ومن بين التحليلات، يبرز تحليل يشمل الوضع اللبناني، وفشل الوساطة الأميركية التي قادها ديفيد ساترفيلد، لتسوية النزاع الحدودي والنفطي بين لبنان وإسرائيل، من بين الأسباب التي فاقمت الخلاف بين تيلرسون وترامب، وعدم استطاعة تيلرسون خلال جولته في المنطقة، من تحقيق أي خرق أو تقدّم على هذا الصعيد، وبأنه لم يتمكن من إقناع المسؤولين اللبنايين بتقديم التنازل المطلوب أميركياً لحلّ هذا الملف. إذا ما صح هذا الكلام، فيعني أن الوضع ينطوي على تصعيد أميركي مرتقب.

يترافق هذا الكلام مع ما تتحدث به أوساط دبلوماسية بشكل خفي أو خجول، بشأن احتمال لجوء الأميركيين إلى تنفيذ ضربة عسكرية في سوريا ضد مواقع إيران وحلفائها على خطّ تحجيم نفوذها هناك. لكن أي نوع من هذه الضربات قد يفتح الباب أمام تأويلات كثيرة، وأمام توسع رقعة المعارك التي تشمل لبنان. وربطاً في هذا السياق، برزت تغريدة النائب وليد جنبلاط الذي أبدى تخوفاً من حصول الأسوأ بعد إقالة تيلرسون. وقد انشغلت الكواليس اللبنانية قبل أيام بمداولات دبلوماسية بشأن احتمال حصول تصعيد في المنطقة، مع طرح سؤال عن إجراء الانتخابات النيابية في موعدها. وكأن المقصود من إثارة هذا السؤال هو الإشارة إلى ما يمكن أن يحصل من تصعيد قريباً.

لم يتوقف اللبنانيون كثيراً أمام هذا الكلام، وجميعهم مقتنع بأن التصعيد مستبعد، بما في ذلك حزب الله الذي يستعد لخوض المعركة الانتخابية، ويعتبر أن الظروف والمعطيات لا توحي بامكانية اندلاع حرب، خصوصاً أن هناك حرصاً دولياً على التوازنات القائمة حالياً، وليس هناك استعداد أميركي للدخول في مواجهة عسكرياً، كما أن الإسرائيليين غير جاهزين لذلك، وهم كانوا يفضلون أن تكون واشنطن في المقدّمة. لذلك، فإن الاهتمام ينصب على المعركة الانتخابية وليس على أي معركة أخرى.

أما الملفات المتبقية، فكلّها محالة إلى ما بعد الانتخابات النيابية. ومن بينها ما أثاره رئيس الجمهورية ميشال عون قبل أيام بشأن الاستراتيجية الدفاعية. لا شك أن الموقف حتّم التساؤل عن سبب طرح هذا الملف في هذا التوقيت، إلا أن مصادر متابعة تعتبر أن الموقف جاء رداً على سؤال من الاتحاد الأوروبي عما سيفعله لبنان لمواكبة المؤتمرات الدولية، فأجاب عون بأنه سيسعى لعقد مؤتمر يبحث ملف الاستراتيجية الدفاعية. لذلك، لا يبدو حزب الله منزعجاً من هذا الأمر، لثقته برئيس الجمهورية وبموقفه من مسألة السلاح، وبأن طرحه هذا الملف لا ينطوي على رغبة في نزع السلاح، بل من باب التكامل ما بين الحزب والدولة لحماية لبنان وتحصين مناعته. وهذا ما قاله عون في خطاب القسم. فحزب الله يضع ملف الاستراتيجة الدفاعية، في خانة الحاجة لها، والتي تهدف إلى إنجاح مؤتمر روما. بالتالي، لا حاجة الآن إلى النقاش في مسألة طرحها، وحين يأتي وقتها، سيتم بحثها ونقاشها، مع العلم أن الحزب يعتبر أن ليس هناك أي متغيرات تفرض إعادة طرح الموضوع على طاولة البحث، والتوازنات المحلية والاقليمة والدولية لا تسمح بذلك.