الأكراد يتحولون إلى تكتيك حرب العصابات سعيا لتكبيد الجيش التركي خسائر كبيرة
 

 يعمل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على توظيف “السيطرة الكاملة” على مدينة عفرين السورية لتحقيق أهداف سياسية، عبر تحويل دخول مدينة صغيرة تسيطر عليها ميليشيا كردية إلى إنجاز استراتيجي يوحي بتماسك النظام الإسلامي الحاكم، بعد سلسلة من الإخفاقات الاقتصادية والسياسية منذ محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة عام 2016.
وتقدم الحكومة التركية تمكنها بعد شهرين كاملين من القتال والقصف الجوي التركي للمقاتلين الأكراد باعتباره أمرا غير متوقع، ونصرا عسكريا كبيرا، رغم الاختلال الحاسم في ميزان القوة بين الجيش التركي والقوة الكردية الصغيرة.
وقال أردوغان إن بلاده “لقنت درسا للذين يحاولون تأسيس دولة إرهابية على حدودها”. وكان قبل ذلك أعلن سيطرة القوات المشاركة في عملية “غصن الزيتون”، بشكل كامل، على مركز مدينة عفرين بالريف الشمالي لمحافظة حلب السورية، مضيفا أنه تم “تحييد 3603 إرهابيين منذ انطلاق العملية في منطقة عفرين”.
لكن الإدارة المحلية الكردية في عفرين سارعت بالقول إن الحرب على القوات التركية والقوات المتحالفة معها “دخلت مرحلة جديدة”. وأضافت في بيان أنها قررت “إجلاء المدنيين من المدينة لتجنب أسوأ كارثة”.
وأكدت أن القوات موجودة في كل أنحاء عفرين وستهاجم مواقع تركيا وحلفائها كلما أتيحت لها الفرصة، وستتجنب أي مواجهة مباشرة.
ويعني ذلك أن القوات الكردية قررت العمل بطريقة الكر والفر، وشن حرب عصابات على الجيش التركي، دون التسبب في وقوع ضحايا مدنيين.
وسيطرت القوات التركية وقوات تابعة للجيش السوري الحر، الأحد، على مدينة عفرين إثر عملية عسكرية استمرت نحو شهرين وأسفرت عن مقتل أكثر من 1500 مقاتل كردي.
وبدأت تركيا وفصائل سورية موالية في 20 يناير الماضي حملة عسكرية تحت تسمية “غصن الزيتون” ضد منطقة عفرين. وقالت أنقرة إنها تستهدف “وحدات حماية الشعب” الكردية التي تصنفها “إرهابية” وتعتبرها امتدادا لحزب العمال الكردستاني.
وقال خبراء في الشؤون العسكرية إن حملة “غصن الزيتون” اصطدمت مع واقع عسكري للمنطقة لم يكن في الحسابات العسكرية التركية وهو ما أخر تقدم الحملة العسكرية، وأن سقوط مدينة عفرين لم يجر بسبب القوة العسكرية التركية، فالمدينة كان بإمكانها الصمود لأشهر إضافية، ولكن جرى نتيجة مداولات دولية كبرى أفضت إلى انسحاب القوات الكردية من المدينة.
ويعني انسحاب القوات الكردية من المدينة أن تطويقها “بشكل كامل” كان دعاية فقط، ولم يعكس واقعا على أرض المعركة.
ويقول مراقبون إن روسيا سعت لتعقد اتفاقا مع تركيا يسمح لها بدخول مدينة عفرين دون ضغوط، في المقابل تعمل تركيا على سحب تنظيمي أحرار الشام وفيلق الرحمن المدعومين من قبلها من الغوطة الشرقية.
ويفتح ذلك الطريق أمام قوات الجيش السوري لدخول مدينتي حرستا وحمورية في الساعات المقبلة، ويترك مدينة دوما، التي يسيطر عليها جيش الإسلام، مكشوفة في مواجهة قصف الطائرات السورية والروسية العنيف.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان، في بيان صحافي، إن القوات التركية وفصائل المعارضة السورية تمكنت من التقدم والسيطرة على مدينة عفرين، وبلدات بلبلة وراجو والشيخ حديد وجنديرس ومعبطلي وميدان اكبس وشرا ومئات القرى في منطقة عفرين.
وأشار المرصد إلى أنه لا تزال هناك جيوب لمقاتلين رفضوا الانسحاب مع القوات الكردية، تقاتل داخل المدينة، وسط عمليات قصف تستهدفها في محاولة من قوات عملية “غصن الزيتون” الانتهاء من تمشيط المدينة.
ورأى الخبراء أن الجانب التركي يريد الاحتفال بأي نصر مهما كان صغيرا، فالجميع يعرف أن قوة الميليشيات الكردية ضعيفة لا يمكن في الحسابات العسكرية الاستراتيجية مقارنتها بالجيش التركي.
ولفت هؤلاء إلى أن تركيا لم تتمكن من حصار عفرين وهو ما مكن القوات الكردية من الانسحاب. كما أن العديد من المدن الكردية السورية كانت تتسلم جثامين المقاتلين الأكراد وتشيعها مما يعني أن مسألة تطويق عفرين بشكل كامل غير حقيقية.
وتخشى أنقرة إقامة حكم ذاتي كردي على حدودها على غرار كردستان العراق، وطالما أكدت رفضها للإدارة الذاتية التي أنشأها الأكراد في ثلاثة “أقاليم” في شمال وشمال شرق البلاد، بينها إقليم عفرين.
وخلال نحو شهرين من العملية العسكرية، سيطرت القوات التركية على مساحات واسعة في منطقة عفرين بينها الشريط الحدودي، قبل أن تتمكن الأحد من دخول المدينة.
وحسب المرصد، شهدت المدينة الأحد رفع الأعلام التركية فوق المقار الرئيسية للقوات الكردية والإدارة الذاتية في مقاطعة عفرين.
وكان المرصد كشف عن تعرض عدد كبير من القرى لعمليات نهب من قبل القوات المشاركة في العملية، إذ جرى نهب آليات ومنازل وأدوات زراعية.
وقال مراقبون للشؤون السورية إن ما جرى في عفرين لا ينفصل عن التكتيكات المعروفة للجانب الكردي منذ انخراطه في الحرب في سوريا. فالقوات الكردية اعتمدت دائما خيار الخروج من المواجهة المباشرة تجنبا لدفعها خسائر كبيرة والاعتماد لاحقا على حرب العصابات. وهذا تماما ما أكده بيان الإدارة المحلية الكردية لعفرين.
وتعترف مصادر كردية في سوريا بأن الموقف السياسي الكردي يتعرض لتراجع بسبب تعارض الطموحات الكردية مع حسابات الدول الكبرى، وأن فشل الاستفتاء في إقليم كردستان في شمال العراق في أكتوبر الماضي أدى إلى إصابة المشروع الكردي الإقليمي برمته بنكسة يدفع ثمنها الأكراد في سوريا. وتسبب تراجع قوة الأكراد في العراق في تقهقر سياسي للأكراد في سوريا.
وأسفر الهجوم التركي منذ بدء عملية “غصن الزيتون” عن مقتل أكثر من 1500 مقاتل كردي، وفق المرصد الذي أوضح أن “غالبيتهم قتلوا في غارات وقصف مدفعي للقوات التركية”.
ووثق المرصد مقتل أكثر من 400 مقاتل من الفصائل السورية الموالية لأنقرة. كما أعلن الجيش التركي عن مقتل 46 من جنوده.
وتكشف مصادر في تركيا أن أنقرة تخشى من حرب عصابات تستنزف الجيش التركي شمال سوريا لا سيما في عفرين، وهو أمر ينوي الأكراد انتهاجه وفق بيان الإدارة المحلية لعفرين. وتضيف المصادر أن متخذي القرار في تركيا يفضلون إجراء ترتيبات إدارية أمنية لتنظيم المنطقة التي تسيطر عليها تركيا في سوريا بما يسهل تخفيف التواجد العسكري التركي هناك.
وتقول المصادر إن الوجود التركي في شمال سوريا بات دائما أو طويل الأجل بانتظار نضوج تفاهمات إقليمية دولية كبرى لإنتاج تسوية تنهي الحرب في سوريا.
ويرى هؤلاء أن تركيا التي فقدت كثيرا من أوراقها السورية منذ التدخل العسكري الروسي وبعد ذلك الأميركي، ستتمسك بتواجدها العسكري شمال سوريا كورقة يجري التفاوض حولها لاحقا، ما يجعل من تركيا قوة مقررة في مستقبل سوريا الداخلي والإقليمي.