عكس الكلام المنسوب إلى الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله خلال لقاء على الشاشة مع محازبيه في منطقة البقاع، ووصْفُه القوى السياسية الساعية إلى تأليف لوائح منافسة للائحة الحزب وحركة «أمل» في دائرة بعلبك الهرمل، بأنهم «حلفاء لداعش وجبهة النصرة»، القلق الذي يساور الحزب من اختراق لائحته في هذه الدائرة. إلا أن كلامه هذا لقي ردود فعل سلبية تجاه الحزب، لا سيما في صفوف العشائر، التي تشكل تاريخياً جزءاً رئيساً من المشهد السياسي في تلك المنطقة التي اعتاد الحزب منذ انتخابات 1992 أن يحصد المقاعد النيابية كاملة فيها، نظراً إلى نفوذه الكبير بين شرائحها الفقيرة والتي يعتبرها «خزان المقاومة».

وكان نصر الله قال في كلمته لكوادر الحزب: «لن نسمح بأن يمثل حلفاء «النصرة» و«داعش» أهالي بعلبك الهرمل، والأهالي لن يسمحوا لمن سلح «النصرة» و «داعش» بأن يمثلوا المنطقة». وحض على «المشاركة بكثافة في الاستحقاق الانتخابي»، وقال: «في حال رأينا وهناً في الإقبال على الانتخابات في بعلبك الهرمل فسأذهب بنفسي لأتجول في قراها ومدنها وأحيائها لإنجاح اللائحة مهما كانت الأثمان ولو تعرضت للخطر».

ورد على اعتراضات نشأت في أوساط بقاعية منذ الإعلان عن اللائحة التي يدعمها الحزب مع «أمل»، بأنها تضم متهمين بالفساد، وأن نواب الحزب لم يعالجوا أسباب حرمانها الإنمائي، وأنها تجاوزت تسمية من لهم وزن في العشائر التقليدية، أو أنها ضمت من هم من خارج الدائرة... فسأل: «كيف كان وضع هذه المناطق قبل 1982؟ وكيف أصبح بعد 1982 و1992 إلى يومنا؟»، مؤكداً أن «هناك إنجازات كثيرة»، معتبراً أن «السؤال الصحيح ليس ماذا قدم حزب الله للمنطقة، بل ماذا قدم هؤلاء المرشحون في اللوائح الأخرى من الذين يقتاتون على مائدة السفارات للمنطقة؟».

ويسعى قادة الحزب منذ بروز الاعتراضات على مرشحيه الذين ظهرت لافتات ضد بعضهم تتهمهم بالفساد في بعض القرى، إلى إبراز تضحيات الحزب في حربه مع إسرائيل ثم قتاله في الجرود ضد «داعش» و «النصرة» الصيف الماضي، إضافة إلى قتاله في سورية.

وبين مقاتلي الحزب الذين سقطوا في سورية كثر من منطقتي بعلبك والهرمل فضلاً عن عدد كبير من الجرحى والمصابين، الذين تدين عائلاتهم بالولاء للحزب، لكن تزايد عدد القتلى في صفوفهم تسبب بتساؤلات عن جدوى الاستمرار في الحرب السورية بدأت خجولة ثم تنامت مع الوقت، خصوصاً بعد التخلص من الجيوب الإرهابية في جرود بلدات عرسال والقاع ورأس بعلبك الصيف الماضي. وأضيف ذلك إلى النقمة الشعبية العامة على تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في المنطقة التي تعاني من تواضع بناها التحتية والخدمات في قراها وتزايد البطالة التي فاقمتها الأزمة الاقتصادية في لبنان عموماً. وهي نقمة ضد السلطة التي يعتبر عامة الناس أن الحزب شريك أساسي فيها، بل له اليد الطولى في قرارها، لنفوذه بالاستناد إلى سلاحه.

 

النسبية والنقمة

وتجلى تنامي الاعتراض الشعبي في المنطقة في الانتخابات البلدية 2016، حين حاز منافسو لوائح الحزب في بعلبك وبعض القرى أكثر من 40 في المئة من الأصوات. لكن قادة الحزب رأوا أن الاقتراع في الاستحقاق النيابي مختلف، إذ يغلب عليه طابع الولاء السياسي بينما المنافسة البلدية تدخل فيها العوامل العائلية والحزازات المحلية.

إلا أن تأليف اللوائح لانتخابات 6 أيار (مايو) المقبل والقانون الجديد القائم على النسبية والصوت التفضيلي، عوامل أخذت تشجع قوى معترضة على سياسة الحزب كي تخوض المنافسة، لأنها تتيح لها فرصة خرق لائحته بالاعتماد على تصاعد النقمة ضد بعض نوابه، وعلى ضعف تمثيل العشائر بينهم. وهذا ما دفع نواباً سابقين من الطائفة الشيعية، ورموز أبعدها نفوذ الحزب إلى الترشح في هذه الدورة، ومن بينهم رئيس البرلمان السابق السيد حسين الحسيني، والنائب السابق يحيى شمص، فضلاً عن وجود فرص لتحالفات بينهم وبين ممثلي طوائف أخرى تمكنهم من الحصول على الحاصل الانتخابي الذي يدخلهم حلبة المنافسة إذا استطاعو تأمين الصوت التفضيلي، فللدائرة 10 نواب بينهم 6 شيعة ( 231164 ناخباً) و2 سنة (42108 ناخبين) وماروني (23024 ناخباً) وكاثوليكي (16567 ناخباً) إضافة إلى زهاء 2300 ناخب من المذاهب المسيحية الأخرى.

ولقي كلام نصر الله استياء في صفوف العشائر، التي اعتاد كثر فيها أن يمحضوه أصواتهم.

ومن ردود الفعل على كلام نصرالله ما جاء على لسان المرشح يحيى شمص الذي قال قبل يومين في اجتماع لوجهاء العشيرة إنه لم تكن لديه أي نية لخوض الاستحقاق الانتخابي، «إلا أن الإتيان بمرشحين من خارج المنطقة» وكرامة المنطقة دفعاه إلى الترشح، إضافة إلى الإهمال والحرمان والتهميش والتعاطي مع منطقة بعلبك الهرمل وعائلاتها وعشائرها على أنهم ملحقون ينفذون الأوامر. وأضاف: «لن أقبل بالإنزال الجديد الذي أتوا به من خارج بعلبك الهرمل، فكرامتنا غالية علينا ونحن لسنا ملحقين الا لله سبحانه وتعالى».

وشدد شمص على أن آل شمص وأبناء بعلبك والهرمل هم أساس المقاومة، قائلاً: «في كل منزل هناك شهيد وهؤلاء هم أولادنا لذلك لا أحد يحاول أن يزايد علينا فنحن أساس المقاومة وكلنا لها في مواجهة أي عدو إسرائيلي أو تكفيري، ولا ننسى أن أبناء بعلبك الهرمل قاوموا الاحتلالات من العثماني إلى الفرنسي والإسرائيلي والتكفيري وقدموا التضحيات لحماية وطننا وكرامته، وموقفي من المقاومة واضح كعين الشمس ولن يتغير لا في السابق ولا الآن ولا في المستقبل، فكفى متاجرة وتخويناً، ولا يجربن أحد أن يُجري لنا فحص دم. نحن في المقاومة قبل كل الناس التي قاومت، فهذا وطننا ويجب أن نحميه وهذه منطقتنا وعلينا واجب إنمائي تجاهها».

وأضاف شمص متسائلاً: «أين المساواة الحقيقية مع بقية المناطق وأين حصة بعلبك الهرمل من الإنماء، ولماذا تغييبها؟ أين المستشفيات والجامعات والمدارس والمؤسسات؟ أين وظائف الفئة الأولى أو الثانية ومنطقتنا تذخر بالمثقفين والمتعلمين بمختلف الاختصاصات؟ أين البنى التحتية وشبكة المواصلات والمشاريع الاقتصادية والزراعية ؟». وتابع: «صبرنا كثيراً على أمل الالتفات إلى معاناة أهلنا ومنطقتنا إلا أنهم تجاهلوا أنين الموجوعين ثم يأتون إليهم بالوعود الإنمائية خلال المواسم الانتخابية فقط».

وتابع: «قريباً سأعلن عن لائحتي وأتوقع انتقادات وربما شنت حرب عليّ بحجة أنني متحالف مع تيار المستقبل، لكن أقول لهم أنا متحالف مع أشخاص وليس مع أطراف حزبية. متحالف مع ابن الحجيري وابن صلح وابن منطقتي بغض النظر عمن سماهم. وهم أحرار إذا حالفهم الحظ أن يذهبوا حيث يريدون من الكتل ونحن كذلك لسنا تابعين إلا لبعلبك الهرمل التابعة لأهلها فقط».

وشدد شمص على ضرورة التعايش بين أبناء بعلبك الهرمل مسلمين ومسيحيين، لافتا إلى «أننا كلنا أبناء بعلبك الهرمل ولا ننسى أن هذه المنطقة ومنذ زمن كانت نموذجاً للتعايش بين أبنائها بمختلف طوائفهم ويجب أن تبقى، فهي تتميز بعادات وتقاليد وقيم وبيئة فيها خير كثير، علينا تغيير سياسة التهميش وفرض سياسة الإنماء».

 

بين التشتت والخرق

وتشهد الدائرة محاولة تأليف لائحتين منافستين رئيسيتين للائحة «الثنائي الشيعي»، واحدة يتصدرها الحسيني الذي يتردد أنه سيتعاون مع المرشحين الماروني والكاثوليكي المدعومين من «التيار الوطني الحر» إضافة إلى مرشحين شيعة وسنة حلفاء، والثانية يسعى شمص إلى بلورتها مطلع الأسبوع بالتعاون مع مرشحي «المستقبل» السنيين بكر الحجيري وحسين صلح، إضافة إلى مرشحين شيعة بينهم غالب ياغي الذي سبق أن تصدر لائحة بلدية بعلبك في وجه لائحة الحزب. ويتم البحث في التحالف مع حزب «القوات اللبنانية» الذي لديه مرشحان، الكاثوليكي سليم كلاسي والماروني أنطوان حبشي، وسط خلافات بين «المستقبل» و «القوات» على أحد المقعدين، زادت من صعوبات تأليف اللائحة، ما يؤدي إلى تقليص فرص الاختراق الذي يعول المعارضون عليه بالنسبة إلى أحد المقعدين السنيين والمقعد الماروني وربما أحد المقاعد الشيعية الستة. كما أن أصوات المعارضين للائحة الحزب قد تتشتت مع سعي قوى أخرى لتأليف لائحة رابعة من المجتمع المدني وبعض المستقلين. وهذا ما يراهن عليه الحزب.