لا أدري إن كان الوعي نعمة أم نقمة ؟ ولا أدري إن كان تشغيل العقل أصعب من تغييبه، أم تغييبه أسهل من تشغيله؟ 
منذ أن أبصرت واستبصرت وأنا أسمع وأرى أنين وفقر وظلم الإنسان في أوطاننا العربية والإسلامية، وهو ينادي بحقوقه وحياته وحريته، وأنه مصادر الكلام والتعبير والنقد، وأنه يعيش تحت وطأة الخوف من أن يرفع صوته، ويعاني من صدق القول والتعبير وحرية الإختيار! هذه المفردات جعلت الإنسان في عالمنا العربي والإسلامي في مرحلة متأخرة إن لم تكن متدنية قياساً على العقل الغربي.

إقرأ أيضًا: موسى الصدر ... بريء من تعقيم الإنسان !

ما هو الخلل؟ هل هو في البنية الأساسية، أم في المجاهدين والمناضلين الذين يسعون لإطاحة الديكتاتور والمستبد، ومن ثم ينصبون أنفسهم وربما تفوقوا إستبداداً بأثوابٍ جديدة ليمارسوا نفس الدور الذي لعبه المستبدون من قبل، أم نرى الخلل في البيئة المعدومة أو الفقيرة والمقهورة التي تسبب عقدة نقص عند الإنسان العربي والإنسان المسلم، فنرى عندما يتمتع بمالٍ أو سلطةٍ مهما كانت الوسيلة التي وصل إليها فيحاول أن يعالج هذا النقص بممارسته على الآخرين وليس من حق الآخرين أن ينعموا بحريتهم وحياتهم، وبين هذا وذاك وتلك، تستمر اللعبة بين الظالم والمظلوم، وبين القوة والضعف، وبين الفقر والغني، وبين عنوان الحق والباطل، وبين المفاهيم السليمة والسقيمة، وتبقى النعمة والزعامة والرفاهية والمتعة من حق الزعيم الذي لا يشعر أنه زعيم أو حاكم أو رئيس حزبٍ أو جمعيةٍ وخصوصاً تحت عناوين الدين والمصلحة إلا إذا مارس القوة من خلال جوره وقمعه وطغيانه واستبداده.

إقرأ أيضًا: الكواكبي يبحث عن طاغية في لبنان
هذا الضجيج والأنين والعذاب والقمع والظلم جعله يفكر في الدفاع عن حقوقه وخصوصاً أنه لم يبلغ الفتح بالتحاقه بقوافل الأحزاب، وتعالت الأصوات من جمعيات ترعى مسألة الحقوق الإنسانية وتدافع عن حقوقهم المسلوبة والمنتزعة إنتزاعاً من أرواحهم، لم تستطع لحد الآن تأمين أبسط الحقوق ولم تستطع أن تقف في وجه السلطة الظالمة مهما كان إسمها وشكلها وطعمها ولونها، ومهما كانت تطلق هذه الجمعيات من أسماء إسلامية أم عربية، وما زالت مجتمعاتنا تعاني وتزداد بؤساً وظلماً وفقراً، ويطغى عليها الكذب والطمع والتعصب والحقد والخداع، بدلاً من الصدق والأمانة وكل القيم النبيلة التي جاء بها نبي العدل والرحمة والمساواة محمد بن عبد الله (ص)، إنها إزدواجية وتناقضات هيمنت على مجتمعاتنا وسيطرت على الإنسان في لبه وقلبه وعقله، فوجد أن تغييب العقل أسهل عليه من تشغيله ما دام يزحف بكله وكلكله إلى حزبه أو قائده أو مفتيه أو شيخه حتى لا تبقى عنده أي ملامة عن عدم إشغال عقله فإنه أخذ بمشورة الشيخ المفتي الذي زق العلم والمال والمعرفة زقاً زقاً.