من يراقب ردات الفعل وطريقة التعامل مع خبر وفاة هوكينغ في الشرق ، يدرك أننا لا زلنا في عمق الأزمة الفكرية والأخلاقية
 

لم نكن ننتظر خبر وفاة العالم الفيزيائي ستيفن هوكينغ لنتأكد من عمق أزمة التفكير التي لا زالت مسيطرة على وعي وأسلوب تفكير ونظرة المشرقيين بشكل عام والمسلمين بشكل خاص .
فوفاة الرجل كانت إضافة جديدة للتأكيد على العقد النفسية التي تمتاز بها الشخصية المشرقية والتي تحاول أن تغلفها بتبريرات دينية غير متفق عليها بالأساس ، وإلا لماذا هناك المئات من الطوائف داخل الديانة الإسلامية ولماذا هناك الآلاف من التفسيرات لنفس النص القرآني ، الذي يتم تفسيره من قبل الجميع كلٌ حسب ذوقه وموروثاته ومصلحته ؟!
والأنكى أن القيمين اليوم على الديانة الإسلامية يرفضون نعتهم بالإرهاب والتكفير ورفض الرأي الآخر ، وهم في أول إختبار يسقطون في فخ التكفير فينعتون  خصومهم تارة بالكفر وتارة بالإلحاد وتهم أخرى كالردة.
ومن يراقب ردات الفعل وطريقة التعامل مع خبر وفاة هوكينغ في الشرق ، يدرك أننا لا زلنا في عمق الأزمة الفكرية والأخلاقية وأن حلها بحاجة لوسائل وأساليب جذرية تهزّ صنم هذا الجماد الفكري وضيق الأفق والتعنت الموجود.
فالجهل الذي يروّجه بعض رجال الدين أصبح لا يُطاق ولا يُحتمل ، بل إن المرارة التي تجعل الإنسان في بعض الأحيان يتجه إلى إعتزال الناس وربما الإنتحار ، أن هذه الأمة فاشلة في كافة المجالات إلا في مجال القتل والتكفير ، ورغم فشلها تدعي إنجازات ليست لها وتحاضر بتاريخ معظمه دم وقتل وسبي وإغتصاب أطفال، والمساحة المشرقة في هذا التاريخ ستجده من إنجاز قوميات غير عربية أو أتباع ديانات سابقة وحضارات ماضية.
وربطا بوفاة هوكينغ ، تناسى هذا المشرقي أو بالأخص المسلم إنجازات الرجل العلمية التي ستخلده في كل زمن ومكان في هذا الكون أو في الأكوان الموازية ، بل حتى تناسوا أنه قاطع مؤتمرات دعم لإسرائيل ، وركزوا على أنه ملحد لا يُؤْمِن بوجود إله .
هو لا يُؤْمِن بإله لأنه ببساطة لم يقتنع بالأدلة المطروحة على وجود إله ولا ذنب له، لكن إله هذه الأمة الفاشلة هل هو على صورة تفكير هذه الأمة وضيق خياراتها؟
هل هذا الإله المفترض على صورة المسلمين الضيقة سيُدخل الجنة من يتعرض لكرامات الناس وأعراضهم ويرّكب خبريات وإشاعات عليهم ويفبرك ملفات ويحلّل القتل بل والكذب والزنا وسوء الأخلاق وضرب المرأة والتحرش بالرضّع والإرهاب ؟! وفي نفس الوقت سيُدخل هوكينغ إلى جهنم وهو الذي دعا إلى السلام والمحبة وتعزيز ثقافة العلم وقدم إقتراحات لإنقاذ الجنس البشري من الفناء وحماية كوكب الأرض من الإندثار ؟
هل هذه هي العدالة التي يفترضها هذا المسلم المتقوقع عن إلهه ؟  فإذا كان الإله على هذه الشاكلة فستسقط عنه العدالة والمساواة ، وهو بالطبع ليس على هذه الشاكلة.

إقرأ أيضا : رحيل عالم الفيزياء الشهير ستيفن هوكينغ.. تحدى التوقعات وأصبح من أعظم العلماء رغم حالته الصعبة


وأيضا ، رغم حملات التكفير الممارسة من قبل الجهلة ضد مفهوم العلم الحديث والنظيف والبريء المجسد بهوكينغ ، ستجد بعض المشرقيين المنتفضين على هذا الواقع ودافعوا عن الرجل بإنسانية رائعة ، فهل ممكن أن يكون هذا الإنسان الصغير في عالم الأكوان والمجرات الكبيرة يمتلك هذه الإنسانية والعاطفة ولا يمتلكها إله المسلمين ؟
أسئلة هي بالمقام الأول أخلاقية قبل كل شيء ، قبل حسابات الجنة والنار وعدم إرتكاب المعاصي لكي لا أدخل جهنم لا لأن المعصية هي خطأ بالأساس ، فهكذا يفكر المسلم اليوم ، هو لا يرتكب المعصية خوفا من جهنم وليس إقتناعا بأنها معصية وهذا سقوط أخلاقي مرعب لن تجده عند هوكينغ الخلوق والمتمسك بالقيم الإنسانية لأنه يرى في الخطأ خطأ لأنه خطأ ولا يعكس منظومة أخلاق الإنسان .
أمام هذا الواقع المرير ، نرى نموذجين لمستقبل البشرية ، نموذج مشرقي مقيت يعبر عنه بعض الإكليروس مع أتباعهم وقائم على التكفير والإرهاب ومتمسك بثقافة النظر إلى الأقدام وهذا مصيره التخلف المستمر والفشل الدائم.
ونموذج يمثله ستيفن هوكينغ ، العالم والمفكر الذي كان يستطيع التفكير ب ١١ بعدا عن الموضوع نفسه في اللحظة الواحدة وهي ثقافة النظر إلى النجوم ، وهو مستقبل النجاح وإكتشاف الكون وغيرها من الأكوان .
ألم يقل ستيفين هوكينغ " تذكّر أن تنظر إلى الأعلى بإتجاه النجوم وليس إلى الأسفل بإتجاه قدميك " ؟!
قالها وفعلها وأدرك معناها ، فالعلم وهو مستقبل البشرية وخلاصها سينجح بنظره لأنه ببساطة يعمل على عكس الفاشلين المتمتعين بكامل قواهم البدنية ولم يخترعوا إبرة للحضارة ، فيما هوكينغ المصاب بمرض أعاقه عن الحركة قدم إنجازات هائلة للبشرية ، وربما هذه العقدة النفسية سبب إضافي لحقد المتدينين عليه.