ضعف الموقف الكردي ورقة رابحة بيد حكومة بغداد إذا أحسنت توظيفها بعيدا عن منطق المنتصر
 

دخل ملف الخلافات بين الحكومة المركزية العراقية وحكومة إقليم كردستان العراق طورا جديدا من التهدئة على أساس من الانصياع الكامل من أربيل لبغداد الماضية بثبات في عملية فرض مواصفاتها الخاصّة لمعالجة ذلك الملف.
وأظهرت صور وزعتها مؤسسات رسمية في بغداد، المئات من ضباط وزارة الداخلية في حكومة إقليم كردستان، وهم يؤدون التحية لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في مكتبه، إثر نقل تبعيتهم الوظيفية إلى وزارة الداخلية في الحكومة الاتحادية.
وخلال اجتماعه بالضباط، أعلن العبادي أنه وقّع أمرا ديوانيا بإعادة فتح مطاري أربيل والسليمانية أمام الرحلات الدولية، بعد إغلاقهما من قبل بغداد إثر إجراء إقليم كردستان استفتاء على الاستقلال في الخامس والعشرين من شهر سبتمبر الماضي.

وقالت مصادر “العرب” في أربيل مركز إقليم كردستان العراق إن “الرحلة الدولية الأولى من مطار المدينة بعد رفع الحظر عنه، ستتحرك الخميس”.
وجلس العبادي في مكتبه ببغداد، وسط المئات من الضباط الأكراد الذين كلّفوا من قبل الحكومة الاتحادية بإدارة مطارات كردستان، ليؤكد استجابة حكومة الإقليم لجميع شروط الحكومة الاتحادية.
وقال العبادي، إنه وقّع أمرا ديوانيا بعد استجابة السلطات المحلية في إقليم كردستان لإعادة السلطة الاتحادية الى مطارين أربيل والسليمانية حسب الدستور، حرصا على تسهيل سفر المواطنين من خلال المطارين معلنا “استحداث مديرية للحماية الخاصة على مطارات إقليم كردستان تكون القيادة والسيطرة فيها لوزارة الداخلية الاتحادية”، على أن يلتزم عناصرها “بالزي المحدّد لرجال قوى الأمن لوزارة الداخلية الاتحادية”.

فتح مطاري أربيل والسليمانية تحت إشراف الحكومة المركزية وترحيل ملفي النفط ومعبر فيشخابور إلى ما بعد الانتخابات

وأضاف أنه “سيتم ربط منظومة التحقّق الخاصة بمطارات الإقليم ومنافذه الحدودية بالمنظومة الرئيسية في بغداد على غرار ما هو معمول به في المنافذ العراقية الأخرى وربط دوائر الجوازات والجنسية ومنتسبيها في مطاري أربيل والسليمانية بوزارة الداخلية الاتحادية بحسب القانون”.
وتابع “سيتم تشكيل لجنة عليا للإشراف على مطارات الإقليم ومنافذه، تضم ممثلين عن جميع السلطات المعنية في المركز والإقليم وترفع تقاريرها إلى القائد العام للقوات المسلحة”.
ويشير هذا الإعلان وصيغته، إلى خضوع كردي تام لبغداد، بعد أخذ ورد استمر لشهور بين حكومتي المركز والإقليم، على خلفية الاستفتاء، والإجراءات التي اتخذتها الحكومة الاتحادية، وشملت إعادة انتشار الجيش العراقي في مناطق كانت تحت سيطرة قوات البيشمركة الكردية، وتعليق الرحلات الدولية في مطاري أربيل والسليمانية.
ويقول مراقبون إنّ أكراد العراق بعد أن تخلّت عنهم الولايات المتحدة صاروا مضطرين لاتباع سياسات عملية، يمكن أن تبعدهم عن تأثير المواقف الإقليمية التي لا تصبّ في مصلحتهم وبالأخصّ منها الموقف التركي المناوئ علنا لأيّ محاولة كردية للإعلان عن الوجود ككيان حتى وإن كان ذلك الإعلان صوريّا ومن أجل الاستعراض.
وحسب هؤلاء فإنّ ما فعله الأكراد مرغمين يؤكد أنهم في أسوأ أحوالهم عراقيا وإقليميا، وأنّ حالة الضعف تلك ورقة رابحة بيد الحكومة العراقية لإعادة تنظيم الدولة على أسس مختلفة، ولكن ذلك مرتبط بقدرة تلك الحكومة على عدم التعامل مع المسألة من موقع المنتصر. وقد تنقلب الأمور رأسا على عقب إذا ما استهانت الحكومة بما قدّمه الأكراد من تنازلات. ذلك لأن التخلي الأميركي عنهم لن يكون طويل الأمد.

افتتاح مطار أربيل والسلمانية
وفشلت حكومة الإقليم الكردي في إيجاد بديل لبغداد من أجل توفير السيولة المالية اللازمة لإدارة ثلاث محافظات في شمال العراق، وواجهت أزمة مالية خانقة أثارت ضدها احتجاجات شعبية كادت تطيح بها.
ولعبت كل من تركيا وأيران دورا بارزا في إجهاض حلم الاستقلال الكردي في العراق لما يمكن أن يحركه من طموح لدى القومية الكردية المنتشرة في أجزاء واسعة من أراضي البلدين المجاورين للعراق، فيما بدا الموقف الأميركي مخيّبا لقيادة كردستان بعد أن اعتبرت واشنطن الاستفتاء الكردي خطوة غير مناسبة.
ولم يبق أمام أربيل سوى بغداد التي سبق لها أن قطعت رواتب الموظفين الأكراد بسبب خلاف حول إدارة نفط كردستان.
واضطرت أربيل لإجراء تعديل في شكل تمثيلها السياسي وأوكلت مهمة التحدث باسم الإقليم إلى نيجرفان البارزاني رئيس حكومة الإقليم ونجل شقيق الزعيم الكردي البارز مسعود البارزاني الذي لم تعد بغداد تتقبل حضوره. واضطر نيجرفان إلى بذل جهد كبير في سبيل إقناع بغداد بأن حلم الاستقلال تلاشى وأن الإقليم مستعد لتنفيذ أوامر بغداد.
ومع ذلك مازالت بعض القضايا معلقة بين الجانبين بينها ترسيم حدود الإقليم وإدارة النفط والنزاع بشأن منفذ حدودي بين العراق وسوريا.
وأعلنت مصادر سياسية عراقية أن بغداد وأربيل اتفقتا على ترحيل ملفي معبر فيشخابور بين العراق وسوريا وإدارة نفط كردستان إلى ما بعد الانتخابات العامة المقررة في مايو القادم.
وفي المقابل ما تزال بغداد تطالب قوات البيشمركة الكردية بالانسحاب من بعض المناطق التي يسكنها خليط من قوميات عربية وكردية وتركمانية.
وقالت وزارة الدفاع العراقية، إنها لم توقّع أي اتفاق مع حكومة الإقليم بشأن ترسيم الحدود في المناطق المتنازع عليها بما يسمح بعودة قوات البيشمركة إلى المناطق التي يسيطر عليها الجيش الاتحادي.
وكانت وسائل إعلام كردية تحدثت، عن اتفاق بين بغداد وأربيل، يقضي بترسيم الحدود الإدارية بين الإقليم والحكومة الاتحادية، بما يضمن إنهاء أزمة الانتشار العسكري.
وقال المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة العميد يحيى رسول، في بيان، إنه “لا صحة للأنباء التي تحدثت عن الاتفاق بين الحكومة المركزية وحكومة الإقليم على ترسيم الحدود ما بين إقليم الشمال والمركز، على الخط الأزرق، وعدم رجوع قوات البيشمركة والأسايش إلى ما قبل فرض القانون”.
ويقول مراقبون إن أزمة الاستفتاء بين بغداد وأربيل، انتهت بشكل شبه كلي، ما يمهد لعلاقة هادئة بين الطرفين قبيل الانتخابات النيابية الحاسمة.