تُعتبر كل الأسلحة مباحة في المعارك الإنتخابية، شرط أن لا تتجاوز الخطوطَ الحمر المرسومة، ويُستخدَم العنصرُ الديني والطائفي كعاملٍ أساسي في التجييش ليوم الإنتخاب
 

مَن يراقب النبرة التصاعدية في عظات ومواقف البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي يدرك جيداً أن لا مهادنة مع أداء السلطة التي يعتبرها تُفقر الناس ولا تعالج الأزمات السياسية والإقتصادية والمعيشيّة.

وتُطرح تساؤلات كثيرة عن موقف الكنيسة من المعركة الإنتخابية المقبلة خصوصاً في الدوائر ذات الغالبية المسيحية، وهل ستدخل لتدعم فريقاً معيّناً سواءٌ كان في السلطة أو المعارضة؟

يتوجّب على كلّ مَن يحاول إيجادَ أجوبةٍ عن مثل هذه الأسئلة الكبيرة أن يدقّقَ في مدى تأثير الإكليروس على الحياة السياسيّة والعملية الإنتخابية، ويرى كثرٌ أنّ الإكليروس الماروني يملك تأثيراً كبيراً لا يمكن إغفالُه، وهذا الأمر ينبع من عوامل عدّة أبرزها السلطة المعنوية التي يملكها البطريرك الماروني على مرّ التاريخ، إذ إنّه كان يلعب دورَ قائد الأمّة المارونية من الناحية السياسية وليس فقط من الناحية الدينيّة.

وبالعودة الى ما بعد اتّفاق «الطائف»، فهناك ثلاث محطّات مهمّة لعبت فيها بكركي دوراً كبيراً في الإنتخابات النيابية.

فقد قاد البطريرك مار نصرالله بطرس صفير المقاطعة المسيحية والوطنية الشاملة في إنتخابات 1992، حيث فاز نوابٌ كثر بأقلّ من 100 صوت، وذلك اعتراضاً على عدم تطبيقِ إتّفاق «الطائف».

المرحلةُ الثانية والمهمّة، كانت في انتخاباتِ 2005، حينها، ناضل صفير من أجل الحصول على قانونِ إنتخاب يحصّل من مستوى التمثيل المسيحي، من ثمّ قال جملتَه الشهيرة خلال الإنتخابات التي جرت على دفعات عدّة «لقد أصبح لكل طائفة زعيمُها»، وذلك في الإشارة الى فوز العماد ميشال عون الكاسح في إنتخابات جبل لبنان الشمالي وزحلة.

أمّا التأثير الثالث لبكركي على الإنتخابات، فكان عام 2009، عندما كان الصراع بين فريقي 8 و14 آذار، وكانت قوى «14 آذار» تحمل «العبورَ الى الدولة» عنواناً لمشروعها، وقتها خرج صفير بموقفٍ مهمّ عشيّة الإنتخابات محذّراً من فوز «8 آذار» ما يضرب مشروعَ الدولة.

كل هذه المراحل تؤكّد أنّ السلطة المعنوية لبكركي لا تزال موجودةً وهي ترتفع وتهبط حسب الموقف والحدث، لكنّ الأكيد حسب رجالِ دينٍ موارنة أنّ البطريرك الراعي يوجّه انتقاداتٍ لاذعة الى السلطة الحاكمة، وهذا لا يعني أنّه سيدخل في الزواريب الانتخابية وترجيح كفّة حزب على حزب آخر.

ويعتبر هؤلاء أنّ الراعي والكنيسة ورجال الدين يتكلّمون بالمبادئ، لكن ليست من مسؤوليّتهم محاسبة مَن أخطأ، فهناك قضاءٌ لبناني يجب أن يتحرّك، وهناك هيئاتٌ رقابية ومؤسسات عملها المحاسبة والتفتيش والرقابة، والبطريرك الماروني عندما يرفع الصوت، يرفعه من أجل كل اللبنانيين وليس الموارنة فقط، لأنّ الأزمات تضرب جميع أفراد الشعب اللبناني ولا تفرّق بين مسلمٍ ومسيحي.

لا ينكر أحدٌ أنّ للإكليروس الماروني دوراً كبيراً في الحياة الوطنية، ويتأثّر رجاله ببيئتهم ومجتمعهم، لكنّ البطريركية المارونية طلبت من رجال الدين الموارنة عدمَ التدخّل في الإنتخابات، لأنّ رجل الدين هو «أبّ» الجميع وليس فريقاً يعمل مع طرف ضدّ الآخر.

لكن، وعلى رغم التعليمات الكنسيّة، إلّا أنّ هناك جوّاً عاماً قريباً من الكنيسة والرهبانيات المارونية قدّ يؤثّر في الإنتخابات، وخصوصاً في منطقة كسروان، وهذا أمرٌ لا يُخفى على أحد، في حين أنّ تدخّلات بعض رجال الدين الموارنة في بعض الدوائر سيكون بشكل فردي، وليس بقرار من بكركي لأنّ قرار البطريركية هو عدم التدخّل.

تدعو الكنيسة الناس الى التصويت وفق ما يفرضه عليهم ضميرهم، ومحاسبة المسؤولين الذين أخطأوا، لكي تستقيم الحياة الديموقراطية، ويصبح منطق عدم المحاسبة هو الأساس في النظام البرلماني اللبناني.