هذا الحرص السعودي على العلاقة بين زعماء أقوياء في مواقفهم مبني على التحضير المسبق للمرحلة القادمة والتي تتطلب حضوراً قوياً لقوى قابضة على الجمر للصبر أمام التحديات الآتية
 

حرُصت السعودية على تحالف يضم الزعيم وليد جنبلاط وقائد القوّات اللبنانية والرئيس الحريري للتأكيد على علاقة سياسية تجمع هذه الشخصيات بالمملكة بغض النظر عن الضرورة الانتخابية التي يفرضها طبيعة القانون الانتخابي الجديد والذي يربط علاقة القوى ببعضها البعض على ضوء المصلحة الانتخابية لا السياسية التي سعى اليها تيّار المستقبل لتحسين تمثيله النيابي بعد أن بات مهدداً في بيروت وحتماً في طرابلس بعد أن حُددت خسارته لمقعد في صيدا .
زيارة الرئيس الحريري الى المملكة قبيل الانتخابات النيابية سدّت فراغ العلاقة القائمة ما بين التيّار والقوّات وثبّتت علاقة جنبلاط بالحريري كونها تعكس ارتباطاً جوهرياً في السياسة الاقليمية أكثر مما هي مبنية على وجهة نظر داخلية في الحسابات السياسية اللبنانية والمتطابقة بين الرجلين , وقد حسمت الزيارة الموضوع الخلافي الذي اتسع هوّة بين الحكيم والرئيس الحريري وبات التلاقي أقرب منه الى الفرقة و النزاع خاصة و أن ثبات القوّات على موقفها من السياسة اللبنانية وعدم انجرارها وراء المكاسب السياسية بغض نظر القوّات عن دور حزب الله في المحيط العربي ووقوفها الدائم الى جانب الخيارات العربية في الموضوعات الاقليمة بحسب الرؤية السعودية قد عزّز أكثر من العلاقة التاريخية القائمة ما بين القوّات والمملكة العربية السعودية وهذا لم يستطع أحد من المتضررين من سياسة جعجع العبث فيه بل تم الخضوع لها باعتبارها سياسة مبنية على تفاهمات في العمق على سطح المصالح السياسية .

إقرأ أيضا : العرب كان ناقصهم هالدب !

لم يكن أمام الرئيس الحريري سوى العودة طوعاً الى الوازنين في فريق 14 آذار والتعاطي والتعامل معهم كفريق سياسي قادر على خلق ظروف سياسية أفضل لمحور السيادة والاعتدال بغض النظر عن ما ستؤول اليه نتائج الانتخابات النيابية حيث يؤكد مطلعون على خسارة فريق "14"آذار لأكثريته النيابية لصالح فريق 8 آذار وهذا ما سيعيد أدوار القوى داخل السلطة وفق معطيات جديدة قد تضع المستقبل خارج رئاسة الحكومة حتى ولو حكمت الضرورة السياسية بإبقاء الحريري بالرئاسة ستكون رئاسته أكثر ضعفاً كونها ممنوحة له ومعطاة من قبل فريق 8 آذار وبالتالي عليه الخضوع  التام لحسابات هذا الفريق .
قد تحمل صناديق الاقتراع مفاجآت  مخالفة للتوقعات وقد يتبيّن أن المحللين الانتخابين ما هم الاّ منجمين جُدُد وقد تعود أكثرية فريق السيادة الى الواجهة من جديد وعندها ثمّة عودة الى حسابات  تضع فريق 8 آذار بين فكّي كماشة لا تستطيع قوّة حزب الله العسكرية كسرها لإنتفاء أسباب استخدام السلاح في الداخل وبالتالي سيعود المشهد الطائفي الى السيطرة مجدداً على الحياة السياسية حيث ستتعقد الأمور أكثر مما كانت عليه لعدم قدرة فريق 8 آذار على التسليم بهزيمته الانتخابية وعدم تحصيله للأكثرية النيابية كيّ يحكم البلاد والعباد باسم السلطة .
هذا الحرص السعودي على العلاقة بين زعماء أقوياء في مواقفهم مبني على التحضير المسبق للمرحلة القادمة والتي تتطلب حضوراً قوياً لقوى قابضة على الجمر للصبر أمام التحديات الآتية وعدم التسليم بها والخضوع لها كونها موجة عالية جداً وليس بمقدور أحد الوقوف بوجهها اذا ما تُرك وحيداً في ساحة سياسية تحتاج دوماً الى اتحاد شركاء , وقد ربطت المملكة وقوفها الى جانب المستقبل بعودة هذا التحالف السياسي بين أعمدة ثورة الأرز وعدم رهان المستقبل على حلفاء لا تربطهم بالمملكة علاقة ممتحنة وعدم استبدال جهة بجهة غير مجربة وترك الأمور رهن الانفعال السياسي والشخصي لتركيب مواقف مُضرة بدور لبنان .
حتى اللحظة يبدو أن الرئيس الحريري قد استمع جيداً لنصائح المملكة التي سمعت بدورها الرئيس الحريري وتفهمت هواجسه الانتخابية في معارك ليست بسهلة عليه .