تطبيق واشنطن، استراتيجية جديدة في سوريا، ليس خطوة باتجاه الغرق في «مستنقعها» بقدر ما هو محاولة جادّة لإشغال موسكو، ودفعها بقوّة للارتباك في معركة جانبية رغم كل أهميّتها. واشنطن تعمل على تحويل سوريا إلى «أفغانستان» روسية جديدة، بعد أن افتتح «القيصر» سباق تسلّح خطيراً. إذا كان ما قاله عن بعض تفاصيل الأسلحة حقيقياً، فإنّ «الحرب الباردة» الأولى ستكون مجرّد «تجربة» لـ«مراهقين»، وليس كما الآن مواجهة بين «ناضجين» خبِرا نتائج هكذا «سباق».

يوجد مبدأ دقيق سبق تطبيقه كثيراً وحقّق نجاحات، يقوم على إشغال الخصم في معارك جانبية حتى إذا حانت المواجهة المباشرة، فتكون حينها بين قوي مُنهك، وقوي عمل على جمع كل قواه. ريكس تيلرسون وزير الخارجية الأميركي هو الذي بشّر بولادة «الاستراتيجية الجديدة» التي تحقّق هدفَين في ضربة واحدة:

* وقف نهائي للقتال في سوريا.

* إن وقف النزاع في سوريا لن يقرّب إيران من هدفها النهائي بالسيطرة على المنطقة.

من الواضح أن واشنطن وهي تصعّد مع موسكو تستهدف طهران. كما يبدو لم تعد واشنطن تتردّد في استثمار كل ما يحصل لإضعاف طهران، التي بدورها تستثمر كل البؤر القادرة على «اللعب» فيها لإرباك واشنطن ودفعها لتنفيذ الاستراتيجية «الأوبامية» رغم كل الشعارات والخطابات «الترامبية».

طهران، أدركت أنّ تركيا بادلت موسكو «الغوطة» بـ«عفرين». بهذا تكون تركيا قد ربحت الكثير بتحالفها مع موسكو في حين أنّ على طهران، متابعة التصعيد وهي تخوض معركة داخلية تكاد تشبه معارك الاتحاد السوفياتي الغارق من جهة في أفغانستان، ومن جهة أخرى في مواجهة مع المطالب الشعبية لتحسين وضعه، لأنّ الصواريخ وإن صعدت به الى السماء فإنها لن تفلح له الأرض ولن تمدّه بالماء ولن تنتج الحليب لأطفاله.

تركيا ستستولي على عفرين بالتفاهم مع موسكو. يقال إنّ الحرب في عفرين تماثل الحرب ضد الغوطة ضراوة. الفرق أنّ تضحيات الأكراد لم تعد تهم الآخرين إلا الأميركيين بما يخص مصالحهم الضيّقة.

أما إيران فإنّها بالكاد ستجمع قواها في «المربّع الأسدي» ـ الذي مهما مدّها بالقوة فإنّه لا يوازي ما تطمح إليه وما أنفقته من أموال وأرواح.

ليس هذا هو الذي يُحكم قبضته فقط على طهران ويدفعها دفعاً نحو «الخسارة» الفعلية وليس الكلّية. إنشغال طهران بمعارك داخلية ولو تحت شعارات ضخمة هو الذي يستنزفها ويستهلكها. الأسوأ أنّ القيادة الإيرانية تعرف ذلك، لكنّها تتابع «السباحة» من دون أن تحتاط وتدرك أنّها في النهاية ستتعب وتغرق. المرشد آية الله علي خامنئي قال إن «هدف الأميركيين القضاء على الجمهورية الإسلامية في إيران قبل 20 آذار» أي مع بدء السنة الشمسية الجديدة. «لكنّهم فشلوا». لذلك يعود فيقول: «هذه المنطقة منطقتنا فماذا تفعلون (أي الأميركيين) في منطقتنا».

جنرالات «الحرس» ترجموا الكلام الخامنئي بالإعلان (الجنرال أمير علي حاجي زاده) أنّ إنتاج الصواريخ تضاعف ثلاث مرات... هذه الصواريخ تقلق شعوب الشرق الأوسط، لكن هل تقلق أو تخيف الأميركيين؟

مهما بلغَ عدد هذه الصواريخ فإنّها تبقى لا شيء أمام الترسانة السوفياتية التي صدأت فيها الأسلحة السوفياتية ولم تُستخدم. حتى إذا وقعت ساعة الحساب، تفكّك كل شيء، وغرقت «سفينة» الاتحاد السوفياتي وغرق معها كل جنرالاتها وقادتها.

الرئيس حسن روحاني، لا يريد من الأساس أن يكون غورباتشوف إيران. لكن يبدو أنّه توجد قوى داخل النظام تدفعه بقوة نحو هذا المصير. لذلك قال في مواجهة الهجوم عليه:

«يعتقد البعض أنّه إذا ضعفت الحكومة فستقوى الأجهزة الأخرى.. الأمر ليس كذلك نحن جميعاً في سفينة واحدة.. إذا دمّر جزء من السفينة فستغرق بمن فيها».

لم يشعر قادة موسكو بالرمال المتحركة التي تبتلعهم، وهم يتنافسون على خلافة بريجنيف، حتى إذا انتهى التنافس.. انتهوا وخرج من القصر يلتسين «السكّير» وسرق السلطة وأطاح بالاتحاد السوفياتي.

.. وبعد أكثر من عقدين جاء فلاديمير بوتين من قلب النظام القديم ليُعلن أمنيته ببقاء الاتحاد السوفياتي أو عودته.. وهو لا شك يعلم أنّ هذه العودة مستحيلة.

في طهران كل شيء يؤشر إلى أنها تتقدم على طريق موسكو – السوفياتية. ولن يعود يفيد من سيبقى حتى ولو ربحوا بقاء الأسد إلى الأبد وخسروا إيران!