هل كُتب على النساء العيش في ظلّ الاضطهاد العائلي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وهل يمكن الأمل بغدٍ أفضلٍ لهن رغم كل التضحيات التي تُقدمها في سبيل العائلة وتربية الأولاد والعمل خارج المنزل للمساهمة في تحمّل مصاريف العائلة، وتحقيق الذات وخدمة الوطن، وهل يمكن فصل معاناتها عن معاناة المجتمع ككل، الرازح تحت سلطةٍ بطريركيةٍ تنهل من سلطة التقاليد الاجتماعية القائمة على أساس العائلة والقبيلة التي عفا عليها الزمن، ومن السلطة الدينية التي تحدّ من قدراتها وتشكّك بأهليتها، وتطلب منها الطاعة لوليّ أمرها، أو لزوجها باعتبارهما رأس العائلة، وهل يمكن مقاربة هذا وذاك بناءً على الكفايات أو المستويات التعليمية لنساءٍ تفوّقن على رجالٍ في قطاعاتٍ علمية وميدانية وفكريةٍ وذهنيةٍ واسعة، وهل يمكن فصل هذا وذاك عن المستوى العام لكل مجتمعٍ بناءً على إنجازاته في الاقتصاد والاجتماع والسياسة والثقافة، وهل المسألة سياسية أو اجتماعية أو ثقافية، وهل يغدو تحرّر المجتمع تحرّراً لنسائه، وما هي العوامل المطلوبة لكي تتحقّق المساواة القانونية والاحترام للنساء، فهل يكفي التعليم لذلك، أو العمل العام والخاص، وهل يكون التحرّر الاقتصادي شرطاً كافياً لتحرّر النساء أم بحاجةٍ أيضاً إلى ما هو أبعد من ذلك، هل المشكلة هي مشكلة أنماط أنظمة الحكم السياسية في الدول أو مشكلة طبقية أو بنيوية، وهل المشكلة لدينا في عدم وجود نقاباتٍ نسائية متخصّصة تُعنى بشؤون حقوقهن، وهل يمكن فصل عدم الوجود هذا عن تشظّي المجتمع ككل، وهل تكفي أن تكون هناك أصوات مطالبة بحقوق النساء على أساسٍ دينيٍ ومذهبيٍ ليحصلن على الحقوق، وهل حقوق المرأة اللبنانية المسيحية تختلف عن حقوق المرأة السنيّة والشيعية والدرزية والأرمنية وغيرها، وهل يمكن إيقاف التحيّز ضد طبقة النساء وكأنهن في مواجهةٍ مع طبقةٍ هي طبقة الرجال، وهل يمكن اعتبار المرأة حيّزاً مجتمعياً واقتصادياً وثقافياً قائماً بذاته أو مُلحقاً بأولي الأمر، وهل يمكن أن تقوم ثورة نسائية لتحصيل الحقوق وفرض الذات من خارج ثورةٍ اجتماعية عامة وشاملة لكافة مكوّنات المجتمع، ومتى يمكن أن تتحوّل النظريات الفردية والوعود السلطوية والانتخابية إلى سلوكيات يمكن البناء عليها، وهل يمكن تحقيق كل ذلك في ظلّ التشبّث بالنظام التقليدي القديم؟  

لا شك في أن الحركة النسائية قد حقّقت في بلادنا قفزة نوعية خلال النصف الثاني من القرن الماضي، مما ساهم في تحسين ظروف حياة وعمل نساء عاملات كثيرات وغير عاملات، عبر انتزاع قوانين تحميها من حيث عدد ساعات العمل والمساواة بالأجر مع الرجال، والضمانات الاجتماعية والأمومة وغيرها الكثير. غير أن تراجع الحياة السياسية، وانهيار أسس المنظومات السياسية الاجتماعية والثقافية والحريات النسبية التي كانت قائمة حينها نتيجة الانفتاح وعدم تشدّد القبضة الأمنية على البلاد، ولوجود أحزابٍ وتياراتٍ علمانية مواكبةٍ للتطوّر السياسي والاجتماعي، لمصلحة موروثٍ قديمٍ قائمٍ على تسلّط البطريركيات المتنوعة وهيمنتها، قد أدّى إلى تحلّل غالبية تلك الإنجازات، أو تفريغها من أهميتها لمصلحة ذكوريةٍ فاقعة أكثر ما تتمثّل بتقييد الحريات الفردية والشخصية للمرأة اللبنانية عبر وقوف كل ممثّلي الطوائفيات السياسية ومن أمامهم كافة السلطات الدينية بوجه إقرار قانون مدني للأحوال الشخصية ورفع سن الزواج إلى 18 عاماً؛ أو بوجه تعديل قانون العقوبات وإلغاء المادتين 508 و518 وتشديد معاقبة مغتصبي القاصرات وسفاح القربى؛ أو بوجه سنّ قوانين تحميها من العنف الشامل والمضايقات الجنسية والاستغلال في أماكن العمل، أو تحميها من العنف الأسري والقتل المتعمّد إن ارتأى "ولي الأمر" ذلك، وهذا ما فاق بمعدلاته كل حدود، وبات يتفشّى بسببٍ من الانهيار العام؛ أو بوجه إعطائها حقوقها المادية أسوة بالذكور وإدخالها في نظام الضمان الاجتماعي؛ أو بوجه حقّ إعطائها جنسيتها لزوجها ولأبنائها؛ أو عدم سنّ قوانين تحمي العاملات المنزليات من العنف والتعنيف وسلب الحقوق؛ أو الوقوف بوجه مشاركتها في الحياة السياسية والقيادة ما لم تكن أختاً أو أرملةً أو زوجةً لأحد أرباب السلطة عبر وضع العراقيل وعدم إقرار نظام الكوتا... فهل يكفي أن تُستخدم المرأة كسلعةٍ أو كترويجٍ ليكون بلدنا لبنان بألف خير، وهل يمكن أن ينعم مجتمعنا بالأمان طالما نساؤه لسنا بخير؟ وفي ظلّ أزمة اللجوء المتفاقمة، أين أصبحت خطة تفعيل القانون 1325 لحماية اللاجئات من العنف والعنف الجنسي والاتجار؟ ما نراه وأراه وأعاينه يومياً، يدعو إلى رفع الصرخة بوجه كل من يُعيق هذه القوانين، فمعاناة النساء لا يمكن وصفها ولا اختصارها لا بكلماتٍ ولا بندوات، في أحيانٍ كثيرة، هي تفوق التحمّل والخيال. فالأمر بات يحتاج إلى إعلان خطة طوارئ لحماية ليس النساء كإناث، بل لحماية المجتمع ككل حيث تشكّل فيه النساء القوة المحرّكة الفاعلة.

إن النظر إلى مستوى أي نظامٍ اجتماعي وسياسي، إنما يُقاس بمؤشّر الوضع الاجتماعي والسياسي للنساء فيه، وبما أن مجتمعنا ينهار أمام أعيننا، فهذا يعني أن النساء فيه عموماً في وضعٍ لا يُحسدن عليه. فليسارع الجميع إلى ثورةٍ إجتماعية تساهم فيها المرأة عبر وعيها لحقوقها ومصالحها ومصالح مجتمعها بدورٍ رئيسي، من أجل إنقاذ المجتمع بأجمعه مما يعلق فيه من استتباعاتٍ وشوائب بالية يرسّخها القيّمون عليه لمواصلة التسلّط عليه، من أجل أن يأتي يوم يصبح فيه الاحتفال بعيد المرأة لدينا تكريماً مجتمعياً كبقية دول العالم المتحضّر، مع وردة، وليس مع مطالبةٍ بأدنى شروط الحياة والإنسانية والحقوق، فنساؤنا يستحقن ماهو أفضل بكثير مما هنّ عليه، وجديرات به. 

 تحية للمرأة العاملة في كل الميادين في عيدها، للمرأة الصامتة والمعنّفة والأسيرة والمناضلة في سبيل مجتمعٍ أفضل، للمُطالِبة بالحقوق من دون يأسٍ أو كلل، وللمرأة التي تستطيع أن تقول "لا" حين يجب أن تقولها. تحية لكل نساء العالم!!