كثر في الآونة الأخيرة التداول في نظريات من قبيل أنّ «حزب الله» الذي فصّل قانونَ الانتخاب على قياسه سيفوز بالغالبية النيابية ويدفع باتّجاه تعديل اتّفاق الطائف لتشريعِ سلاحه
 

ما يقتضي توضيحه سريعاً أنّ قانون الانتخاب الجديد الذي ستُجرى الانتخاباتُ على أساسه ليس مفصّلاً على قياس «حزب الله»، وهو ليس بقانون «حزب الله»، وإقرار النسبية لا يعني إطلاقاً أنها نسبية «حزب الله» الذي كان يريد تذكيراً، النسبية على أساس لبنان دائرة واحدة، والفارق كبير جداً بين ما كان يريده الحزب وما تمّ إقرارُه.

وما يقتضي تأكيدُه أيضاً أنّ القانون الجديد أفضل بمسافات من القانون القديم، ويؤمّن صحة تمثيل فعلية لم تكن مؤمَّنة مع القانون السابق، كما أنه لا يُعقل حرمان فئات لبنانية واسعة من صحة التمثيل من أجل قطع الطريق على استفادة نسبية لـ»حزب الله» من القانون الجديد، وكأنه كان المطلوب التذرّع بهذا الأمر من أجل إبقاء الخلل في التمثيل الوطني لأهداف انتخابية وسلطوية معروفة.

وبدورها خضعت استفادة «حزب الله» النسبية من القانون الجديد لعملية تضخيم استدعت من أكثر من مسؤول في الحزب وفي طليعتهم السيد حسن نصرالله التأكيد أنّ حزبَه لا يسعى لأكثرية نيابية ولا للثلث المعطِّل، وهذا التأكيد ليس الهدف منه بطبيعة الحال طمأنة اللبنانيين إلى نيّات الحزب أو تواضعه، إنما ينمّ عن خشية فعلية مبنية على أرقام علمية تؤكد استحالة حصول الحزب على الثلث، فضلاً عن أنه مجرّد أن يضع سقفاً مرتفعاً لمعركته يحوِّل كل ما هو ما دون السقف الموضوع إلى خسارة محققة.

فـ«حزب الله» لن ينال الثلث الضامن، أي ما يزيد عن 43 مقعداً، فضلاً عن أنه لم يعد ممكناً اعتبار «التيار الوطني الحر» في 8 آذار، فيما يسعى منذ تفاهمه مع «القوات اللبنانية» وانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية أن يكون على مسافة واحدة من الجميع، وبالتالي تحوّل إلى «بيضة قبان» جديدة في المشهد السياسي تُضاف إلى «بيضة القبان» الجنبلاطية، علماً أنّ الوسطية لدى كل من «التيار الوطني الحر» و»الاشتراكي» لها اعتباراتها وأسبابها وخلفياتها المختلفة.

فانتخاباتُ أيار 2018 لن تشكّل مدخلاً لسيطرة «حزب الله» على الأكثرية النيابية، والتخويف المستمرّ تحت هذا العنوان لا يخرج عن سياق الرفض الممنهَج من قبل بعض القوى والشخصيات منذ العام 2005 لإقرار قانون انتخاب جديد، علماً أنّ التمثيلَ الصحيح يشكّل المدخلَ الأساس لاستقرار النظام السياسي وتحسين شروط المواجهة السيادية، والدليل أنّ الوصاية السورية استهدفت بالأولوية والطليعة التمثيل الصحيح في انتخابات العام 1992 كمدخل لتحصين وصايتها على لبنان.

وفي موازاة التأكيد أنّ «حزب الله» لن يحقّق الثلثَ ولا الأكثرية، وأنّ الأكثرية التي كانت لمصلحة 14 آذار لم تترجَم في الحدّ من مشروع «حزب الله»، بل نجح عن طريق القوة بالانقلاب على تلك الأكثرية والإتيان بحكومة من لون واحد، وأنّ الخريطة السياسية الحالية لا تمكِّن أيَّ طرف من تحقيق الأكثرية باستثناء أنّ القوى السيادية تحظى مجتمعةً بالقوة الأكبر، فإنه لا بدّ من تسجيل ثلاث ملاحظات جوهرية:

الملاحظة الأولى، في حال سلّمنا جدلاً أنّ «حزب الله» نال الغالبية النيابية وحتى أكثرية الثلثين، وهو من سابع المستحيلات ولكن فقط لضرورات النقاش، فإنه لن يتمكّن من تشريع سلاحه ولا بتعديل الدستور في أيّ اتّجاه، لأنّ دساتير الدول ليست معزولة عن جمعية الأمم والقرارات الدولية، بل أيّ خطوة من هذا النوع تفضي تلقائياً إلى عزل لبنان وتُعتبر خطوةً انقلابية ولو بانتخابات شعبية، فـ«حزب الله» مصنّف بالمنظمة الإرهابية من أكثر من دولة غربية وعربية، فيما الدول الأخرى لا توافق بتاتاً على سلاحه ودوره، وبالتالي لا يكفي بأن يفوز الحزب بالانتخابات لوضع يده على لبنان، بل عملية من هذا النوع قد تسرّع عملية إنهاء سلاحه.

فالوصاية السورية أُخرِجت من لبنان بقرار دولي وإرادة لبنانية، وإحياء وصاية جديدة وتحديداً إيرانية يتعارض مع التوجّه الدولي والعربي الهادف إلى الحدّ من الدور الإيراني.

الملاحظة الثانية، على رغم أهمية منطوق الأكثرية والأقلية، إلّا أنّ هذا الجانب لا يطغى في لبنان على الجانب المتصل بتكوين البلد وتمثيل الجماعات، حيث إنّ تشريع «حزب الله» لسلاحه سيُعتبر فعلَ اعتداء موصوفاً على المسيحيين والسنّة والدروز، وضرباً لمبدأ المساواة بين الجماعات والمواطنين، وتصنيفاً للطوائف بين طائفة درجة أولى وطوائف درجة ثانية.

الملاحظة الثالثة، تعديل الدستور لا يخضع لأكثرية وأقلّية، إنما يخضع لتوازن وطني دقيق، وأيُّ تعديل من هذا النوع يعني انزلاقَ لبنان إلى مشروع حرب جديدة.

الملاحظة الرابعة، أيّ تشريع لسلاح «حزب الله» يؤدّي إلى عزل لبنان ويجعله محطَّ استهداف من إسرائيل إلى المنظمات المتطرّفة، ويطيح بالاستقرار الداخلي.

فكل ما تقدّم من اعتبارات التخويف من فوز «حزب الله» ليس في محله كونه لن يفوز، كما أنّ التخويف من تعديل الدستور لن يتحقق كون تحققه يعني نهاية لبنان، وبالتالي الأجدر بتلك القوى أن تواصل تركيزَها على سلاح «حزب الله» ودوره وتتعامل مع الانتخابات كمحطة لمزيد من العبور نحو الدولة القوية، وأن تأخذ في حساباتها البعد الميثاقي الذي يشكّل إهمالُه ضرباً لميثاق العيش المشترك الذي يشكّل ميزة لبنان وقوّته، وأن تدرك أنّ العبور إلى السيادة يبدأ من التمثيل الصحيح.