تعاني دول مجلس التعاون الخليجي من مشكلتين هما ضعف الدولار وانخفاض سعر برميل النفط. الخلافات السياسية الحادة تعرقل عملية التنمية والنهوض الاقتصادي على رغم وجود أفكار ممتازة هدفها التنويع، تقوم بها كل دولة بمفردها مع ضرورة جمع الجهد للنجاح المشترك. فايرادات الدول الست المعتمدة أساسا، وإن بنسب مختلفة على النفط، انخفضت قيمتها الاسمية كما الحقيقية. يأتي هذا الانخفاض في وقت ترتفع خلاله التحديات السياسية والاجتماعية والمعيشية على أرض الواقع. حسن ادارة التحديات هو في غاية الأهمية وهنالك أمل كبير في الوجوه الجديدة. 

انخفض الدولار في الأسواق العالمية منذ فترة،خصوصا مع تولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة. انخفاضه يؤثر سلبا على المستوى المعيشي في الدول الخليجية التي تستورد معظم حاجاتها. فما هي أسباب انخفاض الدولار؟

أولا: تصريحات الرئيس ترامب بأن الدولار مرتفع وبالتالي مضر للصادرات الأميركية فعلت فعلها وسببت عرضا للنقد في الأسواق. ارتفع الاورو من 1,07 دولار في كانون الثاني 2017 الى حوالى 1,25 اليوم. لم تتجاوب الصادرات بعد لأن المشكلة الأساسية تكمن في عدم وجود انتاج كاف ونوعي مطلوب في الأسواق الخارجية. الواردات لم تخف بعد لأن الأميركيين اعتادوا شراء السلع الأجنبية بسبب عاملَي النوعية والسعر.

ثانيا: هنالك حاكم مصرف مركزي جديد ربما مع سياسة جديدة. يريد ترامب رفع الفوائد بسرعة لضرب المظاهر التضخمية وهذا ما عارضته "جانيت يللن" خوفا من ضرب النمو.

مواضيع ذات صلة
نصرالله يرسم "خطوط النفط الحمراء"
 
بعد التوقيع، ما هي الخطوة المقبلة لمشروع النفط والغاز في لبنان؟
ثالثا: هنالك تحسن واضح في النمو الأوروبي والآسيوي، أي أن هذه الاقتصادات أصبحت جاذبة أكثر. نمت منطقة الاورو بنسب سنوية قدرها 1,8% في سنة 2016 و 1,2% في 2017، أي أن أوروبا تجتاز بخطى ثابتة أزمة الركود الكبير. في آسيا يرتفع النمو من 6,4% الى 6,5% في 2017 مما يشير أيضا الى أن النهوض القوي مستمر. وحدها منطقتنا العربية تعاني، أي انخفاض النمو من 5% الى 2,6% في 2017.

رابعا: هنالك عوامل خارجية مهمة منها تصرفات المصارف المركزية المنافسة وبشكل خاص المصرف الأوروبي الذي أعلن رئيسه "ماريو دراغي" أنه يريد تخفيف عمليات شراء الأصول مما يعني أنه يفكر بتخفيف نمو الكتلة النقدية خوفا من التضخم. هذا يحسن وضع الاورو.

مجموع هذه العوامل يؤدي الى أسعار صرف تنافسية للدولار. لذا فإن ايرادات الدول الخليجية لن ترتفع بالمعنى الشرائي للكلمة خصوصا أن أسعار النفط لن تتطور ايجابا بدرجة كافية. أسعار النفط مرتبطة بالطلب والعرض والاحتياط المتوافر كما البدائل من نفط صخري وغيره. انخفض سعر برميل النفط من 120$ في نيسان 2012 الى 42$ في تموز 2016 وارتفع الى 65$ اليوم. ايرادات الدول الخليجية ستبقى متأثرة بهذا الواقع، لكن السياسات المتبعة تشير الى نجاح اقتصادي متوقع عبر التنويع والترشيد والخصخصة.

أولا: في السعودية، أصبحت رؤية 2030 معروفة عالميا ومضرب مثل. وهي ستعطي النتائج الايجابية خصوصا اذا ركزت في التنفيذ على عاملين أساسيين هما السياحة التي تحتاج الى تطوير البنية التحتية، وثانيا الخصخصة إذ إن بيع 5% من أسهم "أرامكو" مهم جدا. الاحتياط النقدي المتوافر 500 مليار دولار ما زال كافيا لعبور المرحلة الانتقالية بهدوء.

ثانيا: دولة الامارات حيث التنوع واضح وهنالك رغبة عالمية في التوجه اليها للاستثمار والعمل. دبي معروفة كـ"معجزة اقتصادية"، الا أن الامارات الأخرى ناجحة أيضا بأشكال مختلفة. في كل المعايير والمؤشرات، تأتي دولة الامارات في الطليعة اقليميا ومتقدمة دوليا.

ثالثا: دولة قطر التي تواجه تحديات كبرى منذ 5 حزيران في السياسة والاقتصاد ولا بد من ايجاد الحلول المناسبة للنجاح المشترك اقليميا. خفضت احتياطها النقدي البالغ 33 مليار دولار لمواجهة التحديات. هنالك خروج لبعض الأموال وانخفاض في الحركة التجارية، كما أن بعض الأسعار ارتفع في الداخل بسبب انخقاض العرض وارتفاع كلفة النقل والتمويل. ليس هنالك قلق على المستقبل الاقتصادي لأن المشكلة سياسية وليست هيكلية.

رابعا: الكويت وضعت رؤية 2035 التي تهدف الى زيادة الاستثمارات الخارجية المباشرة حوالى 300% وتقوية حصة القطاع الخاص في الناتج من 30% الى 40% قبل سنة 2020. ارتفاع عجز الموازنة من 15,3 مليار دولار في 2015 الى 29 ملياراً في 2016 يدعو الى المعالجة التي يظهر أنها بدأت خصوصا من ناحية ترشيد الانفاق الاستهلاكي. الانفاق الاستثماري على البنية التحتية يرتفع، منها توسيع المطار بحيث يستوعب 3 أضعاف القدرة الحالية. هنالك استثمارات في التعليم والنفط والاستشفاء.

خامسا: عُمان والبحرين حيث يعتبر التنوع داخلهما متقدما لكن الاستثمارات الخارجية لم تأت بعد. طبعا تأثير الأوضاع الخارجية على الاقتصادين واضح. تقع عُمان في المرتبة 66 عالميا من ناحية سهولة الأعمال تبعا للبنك الدولي، والبحرين في المرتبة 63، مما يشير الى أن الطاقات المستقبلية واعدة. في مؤشر الشفافية الدولية تأتي عُمان في المرتبة 64 والبحرين في المرتبة 70 مما يشير أيضا الى سمعة خارجية جيدة للاقتصادَين.

لويس حبيقة - أستاذ محاضر في العلوم الإقصادية- كلية إدارة الأعمال والعلوم الإقتصادية في جامعة سيدة اللويزة.